قال الله تعالى:
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا.
( سورة النسآء: ٥١ )
وقوله : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) أما " الجبت " فقال محمد بن إسحاق ، عن حسان بن فائد ، عن عمر بن الخطاب أنه قال : " الجبت " : السحر ، و " الطاغوت " : الشيطان .
وهكذا روي عن ابن عباس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، والحسن ، والضحاك ، والسدي .
وعن ابن عباس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، [ وأبي مالك ] وسعيد بن جبير ، والشعبي ، والحسن ، وعطية : " الجبت " الشيطان - زاد ابن عباس : بالحبشية . وعن ابن عباس أيضا : " الجبت " : الشرك . وعنه : " الجبت " : الأصنام .
وعن الشعبي : " الجبت " : الكاهن . وعن ابن عباس : " الجبت " : حيي بن أخطب . وعن مجاهد : " الجبت " : كعب بن الأشرف .
وقال العلامة أبو نصر بن إسماعيل بن حماد الجوهري في كتابه " الصحاح " : " الجبت " كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك ، وفي الحديث : " الطيرة والعيافة والطرق من الجبت " قال : وهذا ليس من محض العربية ، لاجتماع الجيم والتاء في كلمة واحدة من غير حرف ذولقي .
وهذا الحديث الذي ذكره ، رواه الإمام أحمد في فقال : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا ، عوف عن حيان أبي العلاء ، حدثنا قطن بن قبيصة ، عن أبيه - وهو قبيصة بن مخارق - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت " وقال عوف : " العيافة " : زجر الطير ، و " الطرق " : الخط ، يخط في الأرض ، و " الجبت " قال الحسن : إنه الشيطان .
وهكذا رواه أبو داود في سننه والنسائي وابن أبي حاتم في تفسيريهما من حديث عوف الأعرابي ، به
وقد تقدم الكلام على " الطاغوت " في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إسحاق بن الضيف ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله أنه سئل عن " الطواغيت " فقال : هم كهان تنزل عليهم الشياطين .
وقال مجاهد : " الطاغوت " : الشيطان في صورة إنسان ، يتحاكمون إليه ، وهو صاحب أمرهم .
وقال الإمام مالك : " الطاغوت " : هو كل ما يعبد من دون الله ، عز وجل .
وقوله : ( ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ) أي : يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم ، وقلة دينهم ، وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم .
وقد روى ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عكرمة قال : جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة ، فقالوا لهم : أنتم أهل الكتاب وأهل العلم ، فأخبرونا عنا وعن محمد ، فقالوا : ما أنتم وما محمد . فقالوا : نحن نصل الأرحام ، وننحر الكوماء ، ونسقي الماء على اللبن ، ونفك العناة ، ونسقي الحجيج - ومحمد صنبور ، قطع أرحامنا ، واتبعه سراق الحجيج بنو غفار ، فنحن خير أم هو ؟ فقالوا : أنتم خير وأهدى سبيلا . فأنزل الله ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من [ الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ] ) .
وقد روي هذا من غير وجه ، عن ابن عباس وجماعة من السلف .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش : ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه ؟ يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج ، وأهل السدانة ، وأهل السقاية ! قال : أنتم خير . قال فنزلت ( إن شانئك هو الأبتر ) [ الكوثر : 3 ] ونزل : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) إلى ( نصيرا ) .
وقال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع ، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق ، وأبو عمار ، ووحوح بن عامر ، وهوذة بن قيس . فأما وحوح وأبو عمار وهوذة فمن بني وائل ، وكان سائرهم من بني النضير ، فلما قدموا على قريش قالوا هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول فسلوهم : أدينكم خير أم دين محمد ؟ فسألوهم ، فقالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه . فأنزل الله عز وجل : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من [ الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا . أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ] ) إلى قوله عز وجل : ( وآتيناهم ملكا عظيما ) .
وهذا لعن لهم ، وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة ، لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين ، وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم ، وقد أجابوهم ، وجاءوا معهم يوم الأحزاب ، حتى حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حول المدينة الخندق ، فكفى الله شرهم ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ) [ الأحزاب : 25 ] .
( إبن كثير )
في معنى الجبت:
قال ابن الجوزي: في «الجبت» سبعة أقوال .
أحدها : أنه السّحر ، قاله عمر بن الخطاب ، ومجاهد ، والشعبي . والثاني : الأصنام ، رواه عطية ، عن ابن عباس . وقال عكرمة : الجبت : صنم . والثالث : حيي بن أخطب ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك ، والفراء . والرابع : كعب بن الأشرف ، رواه الضحاك ، عن ابن عباس ، وليث عن مجاهد . والخامس : الكاهن ، روي عن ابن عباس ، وبه قال ابن سيرين ، ومكحول . والسادس : الشيطان ، قاله سعيد بن جبير في رواية ، وقتادة ، والسدي . والسابع : الساحر ، قاله أبو العالية ، وابن زيد . وروى أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : الجبت : الساحرُ بلسان الحبشة. (زاد المسير في علم التفسير-سورةالنساء)
ذلك مانجده في معنى الجبت عندالمفسرين، وهي نفس المعاني التي توجد عند أئمة اللغة، وتلك المعاني التي ذكروها لاتستند إلى دليل، وهي نسبت إلى بعض الصحابة من غير إسناد، فلاحجة فيها.
معنى الجبت في ضوءالآيات:
وإذا رجعنا إلى القرآن، وأنعمنا النظر في آية الجبت، وجدنا أن القرآن لم يذكر الجبت إلامرة واحدة، ولم يذكره إلا مقرونا بالطاغوت، وأماالطاغوت فقد ورد ذكره في القرآن ثماني مرات.
وكلما ذكر الطاغوت ذكر في مقابل لفظ الجلالة، وهذا يذهب بنا إلى القول بأن كل قوة معادية لله، وكل دولة محاربة لدينه تدخل في مسمى (الطاغوت).
والطاغوت ليس واحدا، فلكل قوم طاغوت، ولكل قُطرطاغوت، ولكل عصر طاغوت، وقد يكون الطاغوت في صورة شيطان واحد، وقد يكون في صورة عصابة من الشياطين.
وإذا كانت القوة الحاكمة المحاربة لله ولدينه هي الطاغوت، فالجبت هو القانون، أوالنظام، أوالشريعة التي يحكم بها الطاغوت.
ولذلك كان التحاكم إلى الطاغوت، لا إلى الجبت، حيث قال تعالى:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ( سورةالنساء:60)
والجبت لايكون واحدا،كماأن الطاغوت لايكون واحدا.
فالشرائع الجاهلية، التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي تقوم عليها المجتمعات الجاهلية، والأنظمة الجاهلية، والحكومات الجاهلية، كلها يطلق عليها لفظ (الجبت).
فأهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا في حرب مع شريعة الله؛ لأنهم كانوا يؤمنون بالطاغوت، وكانوا يؤمنون بالجبت ، وهي شريعة الطاغوت، فكانوا يؤيدون الكفار ضد المؤمنين، وكانوا يشجعونهم على شركهم، وكانوا ينوّهون بشأنهم، ويقولون حسدا وبغيا: (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا)
والسورة التي ورد فيها ذكر الجبت هي سورة النساء، وهي عبارة عن مجموعة كبيرة من شرائع الله، وهي أقضّت على أهل الكتاب مضاجعهم،لأنها كانت رداً وإبطالاً لجبتهم، ونسخت كثيرا من بدعهم وأهوائهم.
ويمكن أن نستأنس هنا لمعنى الجبت بما روي عن نبينا عليه الصلاة والسلام، أنه قال: ( العيافة والطيرة والطرق من الجبت )
(صحيح ابن حبان-كتاب النجوم والأنواء:13/502/6131- مؤسسة الرسالة - الطبعة الثانية: 1414ه،بيروت)
الجبت:
هو اسم جامد لا تعريف له في الـلـغة العربية ,ويقال انه يعني السحر او الساحر او الشيطان بلغة اهل الحبشة , ثم دخل في اللغة العربية واستعمل بهذا المعنى ,او بمعنى الصنم او اي معبود غير اللّه في هذه اللغة , ويقال : انه في الاصل جبس ثم ابدل س الى ت .
واما لفظة الطاغوت فقد استعملت في ثمانية موارد من القرآن الكريم , وهي صيغة مبالغة من مـادة الـطـغـيـان , بـمعنى التعدي وتجاوز الحد, ويطلق على كل شي ء موجب لتجاوز الحد (ومنها الاصـنـام ) ولـهـذا يسمى الشيطان , والصنم والحاكم الجبار المتكبر, وكل معبود سوى اللّه , وكل مسيرة تنتهي الى غير الحق , طاغوتا.
وقـال صاحب الميزان في تفسير قوله تعالى: «أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت و الطاغوت»، الجبت و الجبس كل ما لا خير فيه، و قيل: و كل ما يعبد من دون الله سبحانه، و الطاغوت مصدر في الأصل كالطغيان يستعمل كثيرا بمعنى الفاعل، و قيل: هو كل معبود من دون الله.
والطاغوت:
الشيطان والاصنام وكل معبود غيرالله ، وكل مطاع باطل سوى أولياء الله ، وقد عبر الائمة عن أعدائهم في كثير من الروايات والزيارات بالجبت والطاغوت ، واللات والعزى ، أن الصادق عليه السلام قال : عدونا في كتاب الله الفحشاء والمنكر والبغي والاصنام والاوثان والجبت والطاغوت . عن الباقر عليه السلام الجبت والطاغوت فلان وفلان . وفي القول : إن في ثقيف كذابا ومبيرا - أطبق الناس سلفا وخلفا على أن المبير هو الحجاج قال الجاحظ : خطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة فقال : تبا لهم إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك ؟ ألا يعلمون أن خليفة المرأ خير من رسوله (3) ؟ وقال الحافظ ابن عساكر في تاريخه 4 : 81 : اختلف رجلان فقال أحدهما : إن الحجاج كافر ، وقال الآخر : إنه مؤمن ضال.
فسألا الشعبي فقال لهما : إنه مؤمن بالجبت والطاغوت ، كافر بالله العظيم.
روى البخاري تعليقا: قال جابر: كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة واحدة، وفي أسلم واحد. وفي كل حي واحد كهان ينزل عليهم الشيطان. وقال عمر: الجبت السحر والطاغوت الشيطان. وقال عكرمة: الجبت بلسان الحبشة شيطان والطاغوت الكاهن. وفي فتح الباري تفسيرات أخرى كثيرة للجبت والطاغوت منها: الجبت الشيطان، والطاغوت الكاهن، وقيل: الجبت الأصنام، والطواغيت الذين كانوا يعبرون عن الأصنام بالكذب، وقيل الجبت الكاهن والطاغوت رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف، وقيل: الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف.
والله تعالى أعلم.....