إن حزقيال بن بوزي الكاهن، عليه السلام، وُلد في أرض إسرائيل وكان له دور كبير بدعوة شعبه بني إسرائيل إلى عبادة الله بعد تدمير الهيكل في أورشليم القدس عام ٥٨٦ قبل الميلاد. وكان من الأنبياء الصالحين، عليهم السلام، وورد ذكره في سفر نبوة «حزقيال» في الكتاب المقدس العبري (وهو العهد القديم). لكن يبدأ كتاب حزقيال عندما كان النبي يعيش في بابل وحداً في مدينة تل أبيب العراقية (حزقيال ٣: ١٥) بين عام ٥٩٣ إلى ٥٧١ قبل الميلاد. يُطلق بعض المسلمين الاسم ذا الكفل على حزقيال.
عاش هذا النبي حزقيال خلال السبي البابلي وقدم لبابل (العراق) بعد أن توفيت زوجته أثناء حصار أورشليم القدس (حزقيال ٢٤: ١٦). تبدأ نبوة حزقيال بعد خمس سنوات من إجلاء المجموعة الأولى من المنفيين الذين طُردوا من أرض إسرائيل على يده نبوخذ نصر الثاني.
من المعروف أن عبادة الله عند اليهود وفقاً للتوراة كانت في الهيكل المقدس في أورشليم القدس كما نجد بقوله تعالى ﴿إِيَّاكُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا مُحْرَقَاتِكُمْ فِي أَيِّ مَكَانٍ تَرْغَبُونَ فِيهِ، إِنَّمَا تُصْعِدُونَ مُحْرَقَاتِكُمْ وَتُمَارِسُونَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ فِي أَرْضِ أَحَدِ أَسْبَاطِكُمْ﴾ (الثنية ١٢: ١٣ – ١٤ ترجمة كتاب الحياة). والآن بعد أن أصبح اليهود في بابل بعد السبي سأل بنو إسرائيل أنفسهم: كيف يمكن أن نعبد الرب أثناء وجودنا في المنفى؟ نجد في بداية هذا السفر جواباً لهذا السؤال.
عندما تنبأ حزقيال نبوته الأولى، سَمِعَ الملائكة يقولون عندما يسبحون الله تعالى: ﴿«مُبَارَكٌ مَجْدُ الرَّبِّ مِنْ مَكَانِهِ»﴾ (٣: ١٢ ترجمة كتاب الحياة). ومكان الرب تعالى في كل مكانٍ في الدنيا، وفي قلوب المؤمنين، كما قال ﴿«قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ الرَّبُّ الْقَدِيرُ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ»﴾ (أشعياء ٦: ٣ ترجمة كتاب الحياة). وحتى يومنا هذا عندما يصلي اليهود يذكرون هاتين الآيتين في صلاتهم في الكنس كي لا ينسوا ذكر الله تعالى.
من المبادئ التي نادى بها النبي حزقيال بأن الله تعالى لا يعاقب الإنسان على ذنبٍ اقترفه أبوه، وإنما كل إنسان يعاقب على ذنبٍ اقترفه بنفسه، كما قال ما يلي:
﴿هَا جَمِيعُ النُّفُوسِ هِيَ لِي. نَفْسُ الأَبِ كَنَفْسِ الابْنِ كِلْتَاهُمَا لِي. وَالنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِيءُ هِيَ تَمُوتُ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْمَرْءُ صَالِحاً يُمَارِسُ الْحَقَّ وَالْعَدْلَ، وَلَمْ يَصْعَدْ إِلَى الْجِبَالِ لِيَأْكُلَ أَمَامَ الأَنْصَابِ،[١] وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى أَصْنَامِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَزْنِ مَعَ امْرَأَةِ جَارِهِ وَلَمْ يُعَاشِرِ امْرَأَةً طَامِثاً، وَلَمْ يَظْلِمْ أَحَداً، بَلْ رَدَّ لِلْمَدْيُونِ رَهْنَهُ،[٢]وَلَمْ يَسْلِبْ قَطُّ، وَأَطْعَمَ الْجَائِعَ خُبْزَهُ وَكَسَا الْعُرْيَانَ ثَوْباً، وَلَمْ يَقْرِضْ بِالرِّبَا وَلَمْ يَأْخُذْ حَرَاماً، وَكَفَّ يَدَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الإِثْمِ، وَقَضَى بِالإِنْصَافِ وَالْحَقِّ بَيْنَ إِنْسَانٍ وَإِنْسَانٍ. وَمَارَسَ فَرَائِضِي، وَأَطَاعَ أَحْكَامِي بِأَمَانَةٍ، فَهُوَ صِدِّيقٌ وَحَتْماً يَحْيَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ . . . لاَ يُعَاقَبُ الابْنُ بِإِثْمِ أَبِيهِ وَلاَ الأَبُ بِإِثْمِ ابْنِهِ. يُكَافَأُ الْبَارُّ بِبِرِّهِ وَيُجَازَى الشِّرِّيرُ بِشَرِّهِ﴾ (حزقيال ١٨: ٤ – ٩، ٢٠ ترجمة كتاب الحياة).
كما قال بأن كل آثمٍ يستطيع أن يعود لله عز وجل ويتوب عن أخطائه: ﴿وَلَكِنْ إِنْ رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ خَطَايَاهُ كُلِّهَا الَّتِي ارْتَكَبَهَا، وَمَارَسَ جَمِيعَ فَرَائِضِي وَصَنَعَ مَا هُوَ عَدْلٌ وَحَقٌّ فَإِنَّهُ حَتْماً يَحْيَا، لاَ يَمُوتُ. وَلاَ تُذْكَرُ لَهُ جَمِيعُ آثَامِهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا. إِنَّمَا يَحْيَا بِبِرِّهِ الَّذِي عَمِلَهُ. أَحَقّاً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ؟ أَلَيْسَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ الآثِمَةِ فَيَحْيَا؟﴾ (حزقيال ١٨: ٢١ - ٢٣ ترجمة كتاب الحياة).
تتضمن نبوءة حزقيال، عليه السلام، التوبيخ الشديد اللهجة من جهة، والوعود الجيدة من جهة أخرى التي لا تنطبق فقط على مملكة يهوذا القديمة ولكن تنطبق على كل بني إسرائيل في كل مكان وزمان. وعلى الرغم من أن الهيكل المقدس قد دُمر، فقد تنبأ حزقيال على المستقبل عندما يجتمع بنو إسرائيل ويعيشون بسلام مع جيرانهم أجمعين. سيعطيهم الرب لهم قلباً جديداً وبدورهم سوف يلتف بنو إسرائيل حول الله وسيكونون مطيعين له ولوصاياه بشكل دائم بقوله تعالى: ﴿وَأَهَبُكُمْ قَلْباً جَدِيداً، وَأَضَعُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحاً جَدِيدَةً، وَأَنْتَزِعُ مِنْ لَحْمِكُمْ قَلْبَ الْحَجَرِ وَأُعْطِيكُمْ عِوَضاً عَنْهُ قَلْبَ لَحْمٍ.﴾ (حزقيال ٣٦: ٢٦ ترجمة كتاب الحياة). هذا الحدث ترمز له في رؤيته من "الوادي من العظام الجافة" (حزقيال ٣٧: ١ – ١٤؛ ٢٤ – ٣٦) كما تنبأ على عصي يهوذا والأسباط العشرة (حزقيال ٣٧: ١٥ – ٢٨).
قبر حزقيال
وفقاً لتاريخ يهود العراق فقد دُفن النبي في منطقة الكفل، قرية تقع على بعد اثنين وثلاثين كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة الحلة في وسط العراق. حوالي عام ١١٦٥م زار الرحالة اليهودي بنيامين من تطيلة (في الأندلس) قبر النبي في منطقة الكفل وكتب وصفاً مفصلاً عنه. ذكر في كتابه الهام المسمى «رحلات بنيامين» الذي كتبه بالعبرية، أن القبر موجود على الفرات وكان اليهود والمسلمون يزورونه. وكذلك عندما زار الشاعر يهوذا الحريزي (٥٧١ - ٦٢١ﻫ، ١١٧٦ - ١٢٢٥م) القبر في الكفل كتب قصيدة جميلة عنه. كما يلي:[٣]
وأما جماعة الحلة فإنها جملة صالحة من أعيان الملة وفيهم وكيل سيدنا يحزقل [كذلك الاسم بالعبرية وهو حزقيال] عليه السلام، يحيى ابن الذباح، وهو من أهل الدين والصلاح وفيه قلتُ:
اَلشَّيْخُ يَحْيَى حَازَ أَيَّ تَأَدُّبٍ
أَعْزِزْ بِهِ مِنْ مَاجِدٍ وَمُتَرِّبِ
فَضْلَانُ فِيهِ إِنَّهُ بِرٌّ تَقِيٌ
وَوَكِيلُ سَيِّدِنَا يِحِزْقِيلِ النَّبِيِ
ويقوم يهود العراق بزيارة هذا القبر خلال عيد الأسابيع الذي يقع في بداية فصل الصيف، حتى أُطلق على هذا العيد الاسم "عيد الزيارة" عند اليهود العراقيين.
يقع القبر في كهف من صنع الإنسان تغطيه قبة وفي الغرفة المجاورة لقبر النبي خمسة أضرحة المفروض أنها تحتوي على رفات خمسة من الحاخامات. وتحتوي الغرفة الثالثة على قبر ضريح السيد صالح دانيال، الذي كان محسناً معروفاً وأُوكلت حراسة القبر لأسرته. من بين مختلف الكتابات العبرية في القبر، نجد ثلاث قصائد التي ألفها عبد الله خضيار تكريماً للجهات المانحة.