عن الإمام الصادق (عليه السلام): "لا تدع ((بسم الله الرحمن الرحيم)) وإن كان بعده شعر."
وفي الحديث أنه دخل عبد الله بن يحيى على أمير المؤمنين (عليه السلام) وبين يديه كرسي، فأمره بالجلوس عليه فجلس عليه فمال به حتى سقط على رأسه، فأوضح عن عظم رأسه، وسال الدم فأمر أمير المؤمنـين (عليه السلام) بماء فغسل عنه ذلك الدم.
ثم قال: "ادن مني."
فوضع يده على موضحته، وقد كان يجد من ألمها ما لا صبر له معه، ومسح يده عليها... فما هو أن فَعَل ذلك حتى اندمل، فصار كأنه لم يصبه شيء قطّ.
ثم قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: "يا عبد اللّه الحمد اللّه الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنهم لتسلم لهم طاعاتهم، ويستحقوا عليها ثوابها."
فقال عبد الله، بن يحيى: "وإنا لا نجازى بذنوبنا إلا فـي الدنيا؟"
قال (عليه السلام): "نعم، أما سمعت قول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): 'الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر'؟ إن الله يطهر شيعتنا من ذنوبهم فـي الدنيا بما يبتليهم به من المحن، وبما يغفره لهم فإن اللّه تعالى يقول: ((وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ))1، حتى إذا أوردوا القيامة توفرت عليهم طاعاتهم وعباداتهم، وإن أعداء آل محمد يجازيهم عن طاعة تكون منهم في الدنيا - وإن كان لا وزن لها لأنه لا إخلاص معها - إذا وافوا القيامة حملت عليهم ذنوبهم وبغضهم لمحمد وآله، وخيار أصحابه فقذفوا في النار. ولقد سمعت محمداً رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: 'إنه كان فيما مضى قبلكـم رجلان أحدهما مطيع للّه مؤمن، والآخر كافر به مجاهر بعداوة أوليائه وموالاة أعدائه. وكل واحد منهما ملك عظيم في قطر من الأرض، فمرض الكافر واشتهى سمكة في غير أوانها لأن ذلك الصنف من السمك كان في ذلك الوقـت في اللجج بحيث لا يقدر عليه، فىيسه الأطباء من نفسه.
وقالوا له: استخلف على ملكك من يقوم به، فلست بأخلد من أصحاب القبور، فإن شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها ولا سبيل إليها. فبعث اللّه ملكاً وأمره أن يزعج تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فأخذت له تلك السمكة فأكلها وبرىء من مرضه وبقى فـي ملكه سنين بعدها.
ثم إن ذلك الملك المؤمن مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه لا يفارق الشطوط التي يسهل أخذه منها، مثل علة الكافر، فاشتهى تلك السمكة ووصفها له الأطباء وقالوا: طب نفساً فهذا أوانه، تؤخذ لك فتأكل منها وتبرأ. فبعث اللّه سبحانه وتعالى ذلك الملك وأمره أن يزعج جنس تلك السمكـة عن الشطوط إلى اللجج لئلا يقدر عليها، فلـم يوجد حتى مات المؤمن من شهوته وبُعد دوائه.
فعجب من ذلك ملائكة السماء، وأهل ذلك البلد في الأرض حتى كادوا يفتنون، لأن اللّه سبحانه سَهَّلَ على الكافر ما لا سبيل إليه، وعَسَّرَ على المؤمن ما كان السبيل إليه سهلاً، فأوحى الله تعالى إلى ملائكة السماء وإلى نبي ذلك الزمان فـي الأرض.
إني أنا الله الكريم المتفضل القادر، لا يضرني ما أعطي، ولا ينقصني ما أمنع، ولا أظلم أحداً مثقال ذرة، فأما الكافر فإنما سهلت له أخذ السمكة في غير أوانها ليكون جزاءاً على حسنة كان عملها، إذ كان حقاً عليّ إلا أبطل لأحدٍ حسنته، حتى يرد القيامة ولا حسنة فـي صحيفته، ويدخل النار بكفره، ومنعت العابد تلك السمكة بعينها لخطيئة كانت منه فأردت تصحيفها عنه بمنع تلك الشهوة وإعدام ذلك الدواء وليأتيني ولا ذنب عليه فيدخل الجنة.'"
فقال عبد االله بن يحيى: "يا أمير المؤمنين قد أفدتني وعلمتني، فإن أردتُ أن تعرفني ذنبي الذي امتحنتُ به في هذا المجلس حتى لا أعود إلى مثله."
قال (عليه السلام): "تركك حـين جلست أن تقول ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) فعجل ذلك لسهوك عما نُدِبْتَ إليه تمحيصاً بما أصابك، أما علمت أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حدثني عن اللّه عز وجل: 'كل أمر ذي بال لم يذكر فيه ((بِسْمِ اللّهِ)) فهو أبتر'؟" فقلت: "بلى بأبي أنت وأمي لا أتركها بعدها." قال (عليه السلام): "إذاً تحظى بذلك وتسعد." ثم قال عبد الله بن يحيى: "يا أمير المؤمنين وما تفسير ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ))؟" قال (عليه السلام): "إن العبد إذا أراد أن يقرأ أو يعمل عملاً فيقول: ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) فإنه يبارك له فيه."2
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "ولربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) فيمتحنه اللّه عز وجل بمكروه لينبهه على شكر اللّه تبارك وتعالى والثناء عليه ويمحو عنه وصمة تقصيره عند تركه قول ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ))."3.
(1) سورة الشورى - 30
(2) البحار - ج 89 - ص 241، 242
(3) نور الثقلين - ج 1 - ص 8، وراجع أيضاً البحار - ج 89 - ص 240، 241، والبرهان - ج 1 - ص 45