وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ
معاني الكلمات
لَهُ قَرِينٌ﴿٣٦ الزخرف﴾ مصاحب له لا يفارقه
قرن الاقتران كالازدواج في كونه اجتماع شيئين، أو أشياء في معنى من المعاني. قال تعالى: ﴿أو جاء معه الملائكة مقترنين﴾ [الزخرف/53]. يقال: قرنت البعير بالبعير:جمعت بينهما، ويسمى الحبل الذي يشد به قرنا، وقرنته على التكثير قال: ﴿وآخرين مقرنين
في الأصفاد﴾ [ص/38] وفلان قرن فلان في الولادة، وقرينه وقرنه في الجلادة (قال الأصمعي: هو قرنه في السن، بالفتح، وهو قرنه، بالكسر، إذا كان مثله في الشجاعة والشدة. اللسان (قرن)، وفي القوة، وفي غيرها من الأحوال
اسباب النزول
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (وَلَمّا ضُرِبَ اِبنُ مَريَمَ مَثَلاً) الآية. أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي قال: أخبرنا إسماعيل بن نجيد قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن عاصم بن أبي النجود عن ابن رزين عن أبي يحيى مولى ابن عفراء عن ابن عباس أن النبي قال: لقريش: يا معشر قريش لا خير في أحد يعبد من دون الله قالوا: أليس تزعم أن عيسى كان عبداً نبياً وعبداً صالحاً فإن كان كما تزعم فهو كآلهتهم فأنزل الله تعالى (وَلَمّا ضُرِبَ اِبنُ مَريَمَ مَثَلاً) الآية. وذكرنا هذه القصة ومناظرة ابن الزبعري مع رسول الله r في آخر سورة الأنبياء عند قوله تعالى (إِنَكُم وَما تَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ).
بن كثير ;
يقول تعالى: ( وَمَنْ يَعْشُ ) أي:يتعامى ويتغافل ويعرض، ( عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) والعشا في العين:ضعف بصرها. والمراد هاهنا:عشا البصيرة، ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) كقوله: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [ النساء:115 ] ، وكقوله: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [ الصف:5 ] ، وكقوله: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ [ فصلت:25 ]
القرطبي :
قوله تعالى: « ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين » وقرأ ابن عباس وعكرمة « ومن يعش » بفتح الشين، ومعناه يعمى؛ يقال منه عشي يعشى عشا إذا عمي. ورجل أعشى وامرأة عشواء إذا كان لا يبصر؛ ومنه قول الأعشى:
رأت رجلا غائب الوافدَيـ ـن مختلفَ الخلق أعشى ضريرا
وقوله:
أن رأت رجلا أعشى أضر به ريب المنون ودهر مفند خَبِلُ
الباقون بالضم؛ من عشا يعشو إذا لحقه ما لحق الأعشى. وقال الخليل: العشو هو النظر ببصر ضعيف؛ وأنشد:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد
وقال آخر:
لنعم الفتى يعشو إلى ضوء ناره إذا الريح هبت والمكان جديب
الجوهري: والعشا ( مقصور ) مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار. والمرأة عشواء، وامرأتان عشواوان. وأعشاه الله فعشي ( بالكسر ) يعشى عشي، وهما يعشيان، ولم يقولوا يعشوان؛ لأن الواو لما صارت في الواحد ياء لكسرة ما قبلها تركت في التثنية على حالها. وتعاشى إذا أرى من نفسه أنه أعشى. والنسبة إلى أعشى أعشوي. وإلى العشية عشوى. والعشواء: الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء. وركب فلان العشواء إذا خبط أمره على غير بصيرة. وفلان خابط خبط عشواء.
وهذه الآية تتصل بقول أول السورة: « أفنضرب عنكم الذكر صفحا » [ الزخرف: 5 ] أي نواصل لكم الذكر؛ فمن يعش عن ذلك الذكر بالإعراض عنه إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم « نقيض له شيطانا » أي نسبب له شيطانا جزاء له على كفره « فهو له قرين » قيل في الدنيا، يمنعه يمنعه من الحلال، ويبعثه على الحرام، وينهاه عن الطاعة، ويأمره بالمعصية؛ وهو معنى قول ابن عباس. وقيل في الآخرة إذا قام من قبره؛ قال سعيد الجريري. وفي الخبر: أن الكافر إذا خرج من قبره يشفع بشيطان لا يزال معه حتى يدخل النار. وأن المؤمن يشفع بملك حتى يقضي الله بين خلقه؛ ذكره المهدوي. وقال القشيري: والصحيح فهو له قرين في الدنيا والآخرة. وقال أبو الهيثم والأزهري: عشوت إلى كذا أي قصدته. وعشوت عن كذا أي أعرضت عنه، فتفرق بين « إلى » و « عن » ؛ مثل: ملت إليه وملت عنه. وكذا قال قتادة: يعش، يعرض؛ وهو قول الفراء. النحاس: وهو غير معروف في اللغة. وقال القرظي: يولي ظهره؛ والمعنى واحد. وقال أبو عبيدة والأخفش: تظلم عينه. وأنكر العتبي عشوت بمعنى أعرضت؛ قال: وإنما الصواب تعاشيت. والقول قول أبي الهيثم والأزهري. وكذلك قال جميع أهل المعرفة. وقرأ السلمي وابن أبي إسحاق ويعقوب وعصمة عن عاصم وعن الأعمش « يقيض » ( بالياء ) لذكر « الرحمن » أولا؛ أي يقيض له الرحمن شيطانا. الباقون بالنون. وعن ابن عباس « يقيض له شيطان فهو له قرين » أي ملازم ومصاحب. قيل: « فهو »كناية عن الشيطان؛ على ما تقدم. وقيل عن الإعراض عن القرآن؛ أي هو قرين للشيطان. « وإنهم ليصدونهم عن السبيل » أي وإن الشياطين ليصدونهم عن سبيل الهدى؛ وذكر بلفظ الجمع لأن « من » في قوله: « ومن يعش » في معنى الجمع. « ويحسبون » أي ويحسب الكفار « أنهم مهتدون » وقيل: ويحسب الكفار إن الشياطين مهتدون فيطيعونهم.