قوله تعالى : اهدنا الصراط المستقيم اهدنا : دعاء ورغبة من المربوب إلى الرب ، والمعنى : دلنا على الصراط المستقيم وأرشدنا إليه ، وأرنا طريق هدايتك الموصلة إلى أنسك وقربك . قال بعض العلماء : فجعل الله جل وعز عظم الدعاء وجملته موضوعا في هذه السورة ، نصفها فيه مجمع الثناء ، ونصفها فيه مجمع الحاجات ، وجعل هذا الدعاء الذي في هذه السورة أفضل من الذي يدعو به [ الداعي ] لأن هذا الكلام قد تكلم به رب العالمين ، فأنت تدعو بدعاء هو كلامه الذي تكلم به ; وفي الحديث : ليس شيء أكرم على الله من الدعاء . وقيل المعنى : أرشدنا باستعمال السنن في أداء فرائضك ; وقيل : الأصل فيه الإمالة ; ومنه قوله تعالى : إنا هدنا إليك أي ملنا ; وخرج عليه السلام في مرضه يتهادى بين اثنين ; أي يتمايل . ومنه الهدية ; لأنها تمال من ملك إلى ملك . ومنه الهدي للحيوان الذي يساق إلى الحرم ; فالمعنى مل بقلوبنا إلى الحق . وقال الفضيل بن عياض : الصراط المستقيم طريق الحج ، وهذا خاص والعموم أولى . قال محمد بن الحنفية في قوله عز وجل اهدنا الصراط المستقيم : هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره . وقال عاصم الأحول عن أبي العالية : الصراط المستقيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده . قال عاصم فقلت للحسن : إن أبا العالية يقول : الصراط المستقيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه ، قال : صدق ونصح .
أصل الصراط في كلام العرب الطريق ; قال عامر بن الطفيل :
شحنا أرضهم بالخيل حتى تركناهم أذل من الصراط
وقال جرير :
أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم
وقال آخر :
فصد عن نهج الصراط الواضح
وحكى النقاش : الصراط الطريق بلغة الروم ; فقال ابن عطية : وهذا ضعيف جدا . وقرئ : السراط ( بالسين ) من الاستراط بمعنى الابتلاع ; كأن الطريق يسترط من يسلكه . وقرئ بين الزاي والصاد . وقرئ بزاي خالصة والسين الأصل . وحكى سلمة عن الفراء قال : الزراط بإخلاص الزاي لغة لعذرة وكلب وبني القين ، قال : وهؤلاء يقولون [ في أصدق ] : أزدق . وقد قالوا الأزد والأسد ولسق به ولصق به . و الصراط نصب على المفعول الثاني ; لأن الفعل من الهداية يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف جر ; قال الله تعالى : فاهدوهم إلى صراط الجحيم . . وبغير حرف كما في هذه الآية . المستقيم صفة ل الصراط وهو الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف ; ومنه قوله تعالى : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وأصله مستقوم ، نقلت الحركة إلى القاف وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها .