أرمياء عليه السلام لم يرد له ذكر في القرآن الكريم، وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل ممن لا يُعلم وقته على اليقين. قال عنه ابن عاشور في التحرير
والتنوير: وأرمياء النبي الذي كان حيا في أواسط القرن السابع قبل المسيح، وذلك لأنه أكثر التوبيخات والنصائح لليهود فرجموه بالحجارة حتى قتلوه وفي ذلك خلاف.
وجاء من خبره في تفسير البغوي: ... وبعث لهم أرمياء بن حلقيا نبياً، وكان من سبط هارون بن عمران.
وذكر ابن إسحاق أنه الخضر واسمه أرمياء، سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تهتز خضراء.
وقد ذكر أن الله بعث أرمياء إلى ملك من ملوك بني إسرائيل ليسدده ويرشده، ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل وركبوا المعاصي واستحلوا المحارم، فأوحى الله إلى أرمياء أن ائت قومك من بني إسرائيل فاقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمتي وعرفهم بأحداثهم، فقال أرمياء: يا رب إني ضعيف إن لم تقوني، عاجز إن لم تبلغني، مخذول إن لم تنصرني، قال الله تعالى: أو لم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي، وأن القلوب والألسنة بيدي أقلبها كيف شئت، إني معك ولن يصل إليك شيء معي، فقام أرمياء فيهم ولم يدر ما يقول فألهمه الله عز وجل في الوقت خطبة بليغة، بين فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية، وقال في آخرها عن الله تعالى: وإني حلفت بعزتي لأقيضن لهم فتنة يتحير فيها الحليم ولأسلطن عليهم جباراً قاسياً ألبسه الهيبة، وأنزع من صدره الرحمة يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم، ثم أوحى الله إلى أرمياء: إني مهلك بني إسرائيل بيافث، ويافث من أهل بابل... فسلط الله عليهم بختنصر فخرج في ستمائة ألف راية، ودخل بيت المقدس بجنوده ووطئ الشام، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم، وخرب بيت المقدس... فذلك قوله تعالى: فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد يعني: بختنصر وأصحابه.
وجاء في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي ذكر قصة أرمياء، فقال: وهو أُرمياء الألف مضمومة كذلك قرأته على شيخنا أبي منصور اللغوي. أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار...: أن أرمياء كان غلاما من أبناء الملوك وكان زاهدا ولم يكن لأبيه ابن غيره وكان يعرض [عليه] النكاح وكان يأبى مخافة أن يشغله عن عبادة ربه فألح عليه أبوه وزوجه في بيت من عظماء أهل مملكته فلما دخلت عليه امرأته قال لها يا هذه إني مسر إليك فإن كتمته علي وسترته سترك الله في الدنيا والآخرة وإن أنت أفشيته قصمك في الدنيا والآخرة قالت فإني سأكتمه عليك قال فإني لا أريد النساء. فأقامت معه سنة ثم إن أباه أنكر ذلك فسأله، فقال يا أبه ما طال ذلك بعد... فغضب أبوه فهرب منه. فبعثه الله نبيا مع ناشية، وناشية ملك وذلك حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل بالمعاصي وقتلوا الأنبياء وأوحى إليه إني مهلك بني إسرائيل ومنتقم منهم... إلخ.
ولا يخفى أن ما جاء في قصته هو من أخبار بني إسرائيل التي لم يثبت فيها شيء عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فلا حرج في روايتها لأنها لا تخالف شيئاً من شريعة الإسلام، وهذا داخل تحت عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.