''ذكر والله اعلم بغيبه واحكم ان عيسى مر يوما على واد من اودية الشام وكان ذا اشجار و اطيارتسبح الواحد القهار فتقدم عيسى عليه السلام الى نهر يجري وتوضا وصلى ركعتين لله تعالى ثم نظر عن شماله فراى جمجمة شديدة البياض فجعل يتأملها
ويتعجب من خلقها ثم انه قال الهي وسيدي ومولاي اسالك بجلال وجهك ان تاذن لهذه الجمجمة ان تكلمني انك على كل شئ قدير فلما اتم دعاءه سمع النداء من قبل الله تعالى يا عيسى اني امرتها ان تجيبك عما تسالهاعنه
قال لها عيسى ايتها الجمجمة النخرة انت ذكرا ام ايتها الجمجمة حرا ام عبدا غنيا ام فقيرا خادما ام مخدوما سعيدا ام شقيا كريما ام بخيلا ام مملوكا
قالت الجمجمة ناطقة بلسان فصيح السلام عليك يا نبي الله كنت ذكرا لا انثى حرا لا عبدا غنيا لا فقيرا مخدوما لا خادما كريما لا بخيلا ملكا لا مملوكا وكنت من جملة ملوك الشام اذا ركبت ركب معي اربعة الاف مملوك وكنت القي بسيفي الف فارس وكانت عدة عسكري مائة الف فارس بالعدة الكاملة والخيول والجياد وعشت من العمر الف سنة وتزوجت بالف بكر ورزقني الله منهن الف ولد وملكت الف حصن وكنت اصرف كل يوم الف دينار وكنت محبوبا عند الناس وكنت احكم بالسوية في الرعية واخرجت واعطيت وعزلت واوليت ولكن كنت اعبد الاصنام من دون الملك العلام وكلما ازددت احسانا ازددت طغيانا
فلما سمع عيسى عليه السلام هدا الكلام قال الملك للهالواحد القهار سبحان من يرزق من عصاه
ثم قال لها ايتها الجمجمة كيف رايت الموت وغمته والقبر وظلمته ومنكرا ونكير وشدته والدود وصولته
فقالت الجمجمة يا روح الله الامر عظيم والخطب جسيم اعلم يا نبي الله انه كان سبب موتي اني دخلت يوما الحمام واطلت فيه الجلوس فغلبت علي الصفرة فحملوني الى قصري ووضعوني على فراشي وبقيت اربعة ايام على حالتي لا اكل ولا اشرب وفي اليوم الخامس اجتمعت علي ارباب دولتي وقالوا لي ايها الملك ما اصابك واتاو بالطباء والحكماء فلم يفيدوني شيئا وفي اليوم السادس تحركت الصفرة والامراض ووقعت في سكرات الموت وكنت انظر الى حريمي وعيالي وهم يبكون علي ويخاطبوني ومالي قدرة على ان ارد عليهم جوابا وبعد دلك اتاني ملك الموت واقدامه في الارض السابعة وراسه في السماء السابعة ولف اجنحة من الرحمة وله سبعة اوجه وجه امامه ووجه خلفه ووجه عن يمينه ووجه عن شماله ووجه في راسه ووجه تحت اقدامه وهي يده حربة وفي يده الاخرى كاس من حميم فوضع الحربة في مغرسي وسقاني كاس الفراق
قال لها عيسى عليه السلام ايتها الجمجمة اسالك عن الاوجه التي لملك الموت وما يصنع بها
فقالت الجمجمة اما الوجه الدي امامه فيقبض به ارواح امة محمد عليه الصلاة والسلام وهو نبي يبعث في آخر الزمان والوجه الذي وراء ظهره يقبض به ارواح الكفار والوجه الذي عن يمينه يقبض به ارواح اهل المشرق والوجه الذي عن شماله يقبض به ارواح اهل المغرب والوجه الدي في راسه يقبض به ارواح سكان السماوات الوجه الذي تحت اقدامه يقبض به ارواح اهل الارض السفلى ولكن يا نبي الله ما رايت احسن من الوجه الدي يقبض به ارواح امة محمد عليه الصلاة والسلام
فقال لها عيسى عليه السلام ايتها الجمجمة كيف رايت الموت
فقالت يا نبي الله اتاني ملك الموت في سبعين ملكا منهم عشرة قبضوا على يدي وعشرة جابوا على صدري وعشرة جلسوا على رجلي وعشرة دخلوا في جوفي وعشرة قبضوا على لساني ولولا قبضتهم عليه لشهقت شهقة يفزع لها كل من حولي ولولا جلوسهم على يدي لكنت لم اترك حجرا في الارض الا واقتلعته من مكانه من شدة سكرات الموت ثم انهم يا روح الله اخذوا عروقي وعظامي فعند ذلك قلت يا ملائكة ربي افدي روحي بكل مالي فلطموني لطمة كانت تختلط منها عظامي بعضها ببعض وقالوا لي ان الله لا ياخذ الرشوة وقلت افديها باهللي واولادي فقالوا هيهات ثم خرجت روحي فغسلوني وكفنوني وحملوني وقد دقت كاس المنايا ووضعوني في قبري ثم ردوا علي التراب وانصرفوا عني فعند ذلك ردت روحي الى جسدي واستويت جالسا وقد دخل علي منكر ونكير وهما ملكان اسودان طويلان كالنخل الطويل وهما يشقان الارض بانيابهما وبيد كل واحد منهما عمود من حديد لو ضرب اعظم جبل لهدمه للارض السفلى ثم قالوا لي من ربك ومن نبيك وما دينك فعند ذلك تاه عقلي وتلجلج لساني وقلت انتما ربي فقالا لي كذبت يا عدو الله ثم ضرباني ضربة فهويت منها الى ثالث ارض وضربني الاخر ضربة ايضا فنزلت بها الى تخوم الارض السابعة واويلاه ليت امي لم تلدني ثم عصرتني الارض فاختلطت اعضائي بعضها ببعض ثم قالت لي الارض يا عدو الله كم كنت تتكبر على ظهري اليوم تاكلك الديدان في بطني ثم انهما اخرجاني بكلابيب من حديد وتركاني ومضيا عني ثم دخل علي ملك يقال له رومان الازرق وقال اكتب يا عدو الله فقلت ليس معي دواة ولا قلم ولا قرطاس فقال لي قلمك اصبعك وريقك مدادك وقرطاسك قطعة من كفنك وصار يعد لي سيئاتي وانا اكتب كما امرني حتى فرغت ثم اخذ ما كتبته وعلقه في عنقي وتركني ومضى و سمعت مناديا من تحت العرش يقول خذوه واحملوه الى النار ورايت عند العرش اربعة كراسي منهم كرسيان عن يمين العرش واخران عن شماله الاولى لابراهيم عليه السلام والثاني لمحمد عليه الصلاة والسلام والثالث لموسى عليه السلام والرابع لك يا نبي الله فبينما انا كذلك واذا بالنداء من قبل الله تعالى خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم هي سلسلة ذرعها سبعون دراعا فاسلكوه انه كان لا يؤمن بالله تعالى ولا يحض على طعام المسكين ثم اتوا الي بسلسلة وجعلوها في عنقي وسحبوني على وجهي حتى انتهيت الى مالك وادا بشيخ جالس على كرسي من نار تخرج من فمه النار وله عقدة بين عينيه وهو لا يزال غضبان فلنا راني قال لا اهلا ولا سهلا ثم قام لي واخدني من يدي ولطمني على وجهي وادخلني النار فاذا هي سوداء مظلمة وبها سبع طبقات فاما الطبقة الاولى فاسمها جهنم وهي للمدنبين من امة محمد عليه الصلاة والسلام والثانية لظى وهي للنصارى والثالثة الحطمة وهي لليهود والرابعة السعير وهي لابليس وجنوده و الخامسة سقر وهي لمن ينكر القيامة و السادسة الجحيم وهي للفراعنة والسابعة الهاوية وهي للمنافقين وهي اشد عذابا على اهلها يا روح الله لو رايت النار و اهلها لبكيت على احوالهم بكاءا شديدا والنار مطبقة عليهم من كل جانب ظاهرها من نحاس وباطنها من رصاص وارضها من العذاب وسقفها السخط واهلها فيها معذبون وفيها حيات كالجبال وعقارب كالبغال و ان الله تعالى اذن الى حية من حياتها ان تبتلع الدنيا لفعلت في لقمة واحدة ثم سلمني ملك الموت الى سبعين من الزبانية فامسكوني ووضعوني في تابوت من النار طوله الف قدم وختموا عليه ووكلوا بي شيطانا ماردا وهو الذي اطغاني على المعصية في الدنيا ثم بعد ذلك انزلني الى جب عميق يسمى جب الاحزان فحملوني ووضعوني فيه فمن شدة العذاب شحت الجوع فاتوني بشجرة الزقوم فاكلت منها فما زدت الا جوعا ثم صحت العطش فاتوني بطست من نحاس مداب فيه الرصاص فشربت منه فتقطعت امعائي وعظامي ثم عدت كما كنت
فقال عيسى عليه السلام ايتها الجمجمة اخبريني عن اهل النار
فقالت رايت في النار اقواما امامهم طعام طيب وطعام خبيث وهم ياكلون الخبيث ويتركون الطيب فسالت عنهم فقالوا ان هؤلاء الذين كانوا ياكلون طعام الحرام ويتركون الحلال و رأيت اقواما ياكلون النار فسالت عنهم فقالوا هؤلاء كانوا ياكلون مال اليتامى ظلما ورايت في النار قوما يشربون الصديد وهؤلاء الذين يزنون في دار الدنيا ورايت في النار نساءا معلقات من شعورهن فسالت عنهن فقالوا اللاتي كن يزنين في الدنيا ورايت نساءا يلطمن وجوههن ويصحن باقبح الاصوات وهن اللاتي كن ينحن على الميت في الدنيا ولم ازل يا نبي الله في العذاب اربعة وسبعين عاما ثم بعد دلك اخرجوني الى واد يقال له واد الويل واذا بالنداء من قبل الواحد القهار يا ملك الموت الق هذه الجمجمة في الطريق فانه كان كريما في قومه كثير الصدقات ويطعم الطعام ويحب الفقراء والمساكين ويكرم الضعيف فعند ذلك اخرجوني الى هذا المكان كما تراني يا روح الله اسالك ان تدعو الله ان يعيدني حيا كما كنت في دار الدنيا حتى اسلم على يديك واعبد الله تعالى حق عبادته
فقام عيسى عليف السلام وتوضا وصلى ركعتين وقال اللهم اني اسالك بجلال وجهك وعظيم سلطانك ان تحيي هدا الميت بعزتك وقدرتك وسطوتك على عبادك انك على كل شئ قدير
فلما استتم دعاءه الا وقد انتفضت الجمجمة فصارت شابا من احسن الشباب ثم التفت نبي الله عيسى واذا هو يقول له السلام عليك يا روح الله انا اشهد ان لا اله الا الله واشهد انك نبي الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه
ثم انه عاش بعد دلك ثمانين سنة وعبد الله حق عبادته حتى بقي يفطر في كل سنة يوما واحدا ولم يزل ساجدا راكعا باكيا خاشعا لله خوفا من نار جهنم حتى اتاه هادم اللذات ومفرق الجماعات
فسبحان الله الباقي بعد فناء خلقه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم