الإمام القاسمى ومنهجه في التفسير إلى اضطراب قول الإمام القاسمى تعالى في هذه المسألة ولعله رجح أن إبليس من الجن ومما قلته:
للعلماء في إبليس هل كان من الملائكة أم لا ؟ قولان.
أحدهما: أنه كان من الملائكة قاله ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن المسيب واختاره الشيخ موفق الدين والشيخ أبو الحسن الأشعري وأئمة المالكية وابن جرير الطبري قال البغوي: هذا قول أكثر المفسرين لأنه سبحانه أمر الملائكة بالسجود لآدم. قال تعالي (إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ) فلولا أنه من الملائكة لما توجه الأمر إليه بالسجود ولو لم يتوجه الأمر إليه بالسجود لم يكن عاصياً ولما استحق الخزي والنكال.
والقول الثاني : إنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة قاله ابن عباس في رواية والحسن وقتادة واختاره الزمخشري وأبو البقاء العكبري والكواشي: في تفسيره لقوله تعالي ( إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ) فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس ولأنه خلق من نار والملائكة خلقوا من نور ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة .
قال في الكشاف: إنما تناوله الأمر وهو للملائكة خاصة لأن إبليس كان في صحبتهم وكان يعبد الله عبادتهم فلما أمروا بالسجود لآدم والتواضع له كرامة له كان الجني الذي معهم أجدر بأن يتواضع والقول الأول هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء وصححه البغوي وأجابوا عن قوله تعالي ( إلا إبليس كان من الجن ) أي من الملائكة الذين هم خزنة الجنة.
قال ابن القيم : الصواب التفصيل في هذه المسألة وأن القولين في الحقيقة قول واحد . فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته وليس منهم بمادته وأصله كان أصله من نار وأصل الملائكة من نور . فالنافي كونه من الملائكة والمثبت لم يتواردا علي محل واحد وكذلك قال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية في الفتاوى المصرية.
إبليس ليس من الملائكة، لأن إبليس خلق من نار والملائكة خلقت من نور، ولأن طبيعة إبليس غير طبيعة الملائكة، فالملائكة وصفهم الله تعالى بأنهم: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}، ووصفهم الله تعالى بقوله: {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون}، أما الشيطان فإنه على العكس من ذلك فإنه كان مستكبراً، كما قال تعالى: {إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين}.
ولكن لما وجه الخطاب إلى الملائكة بالسجود لآدم وكان إبليس من بينهم أي معهم مشاركاً لهم في العبادة وإن كان قلبه والعياذ بالله منطوياً على الكفر والاستكبار صار الخطاب متوجهاً إلى الجميع، فلهذا صح استثناؤه منهم فقال تعالى: {فسجدوا إلا إبليس} وإلا فأصله ليس منهم بلا شك، كما قال تعالى: {فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه}، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الأول - باب الجن.