.

.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين أهلا وسهلا بكم إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التفضل بزيارة صفحة التعليمات كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل ، إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن إبليس قال لربه: بعزتك وجلالك لا أبرح أغوي بني آدم مادامت الأرواح فيهم - فقال الله: فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني" اللّهم طهّر لساني من الكذب ، وقلبي من النفاق ، وعملي من الرياء ، وبصري من الخيانة ,, فإنّك تعلم خائنة الأعين ,, وما تخفي الصدور اللهم استَخدِمني ولاَ تستَبدِلني، وانفَع بيِ، واجعَل عَملي خَالصاً لِوجهك الكَريم ... يا الله اللهــم اجعل عملي على تمبـلر صالحاً,, واجعله لوجهك خالصاً,, ولا تجعل لأحد فيه شيئاً ,, وتقبل مني واجعله نورا لي في قبري,, وحسن خاتمة لي عند مماتي ,, ونجاةً من النار ومغفرةً من كل ذنب يارب يارب يارب

.

.

.

.

Tuesday, November 18, 2014

وقفات مع توزيع غنائم حنين

المسلمون يصلون إلى وادي الجعرانة
رجع الرسول  من الطائف بعد أربعين يومًا كاملة، ووصل إلى وادي الجعرانة ليبدأ في مهمة أخرى عظيمة، وهي مهمة تقسيم الغنائم الهائلة على الجيش المنتصر. ونريد أن نقف وقفة سريعة مع فكرة الغنائم، فهذه خَصِيصةٌ لهذه الأمة العظيمة؛ لأن الغنائم لم تكن مشروعة للأمم السابقة. روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن الرسول  قال: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي"، وذكر منها: "وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ".
وهي نعمة من الله ، وحافز قوي للمجاهد، ومعوِّض للمجاهد عن تركه للديار، والأعمال، والأسرة، والوطن. ولا شك أن الجيش الذي توزع عليه الغنائم، يقاتل بحمية تختلف عن الجيش الذي لا يتجاوز فيه راتب الجنود دراهم معدودة، والتشريع الإسلامي يقول: إن أربعة أخماس الغنيمة توزَّع على أفراد الجيش المقاتل، وخُمس الغنيمة الباقي يذهب إلى الدولة، تتصرف فيه حسب المصلحة. ولكننا نرى الدول في زماننا هذا، والقادة الكبار، والزعماء يستكثرون هذا العطاء الضخم للجنود، ويحتفظون به للدولة أو لهم، ويسلبون بذلك حق الجنود. ولا شك أن ذلك سيكون له انعكاس كبير على قتال الجنود في المعارك، وعلى أداء الجنود في الحروب. فماذا فعل الرسول  في غنائم حُنين الهائلة؟
اختلاف القدماء في تقسيم الرسول لغنائم حنين
إن كُتَّاب السير اختلفوا فيما فعله  في غنائم حُنين، والجميع متفقون أنه في كل المعارك السابقة، بدايةً من بدر وحتى هذه اللحظة كانت توزَّع بالنسبة الشرعية المعروفة: أربعة أخماس على الجيش، والخمس للدولة، إلا أن الأمر بالنسبة لحُنين اختلف بين الفقهاء؛ فمنهم من قال: إن الرسول  وزَّع الغنائم بكاملها على المؤلفة قلوبهم؛ والمؤلفة قلوبهم هم الذين أسلموا حديثًا، سواء من أهل مكة الطلقاء أو من الذين أسلموا من الأعراب قبل فتح مكة مباشرة. ومن العلماء الذين قالوا هذا الرأي ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فتح الباري.
ومنهم من قال: إن الرسول  وزّع أربعة أخماس الغنيمة على الجيش بكامله، ثم أعطى المؤلفة قلوبهم من الخمس المتبقي المملوك للدولة. وممن قال بهذا الرأي القرطبي، وأبو عبيد بن سلاّم صاحب كتاب الأموال، وابن خلدون، والقاضي عياض، وغيرهم.
الرأي الذي نميل إليه
والحقيقة أننا نميل إلى هذا الرأي الأخير، وهذا الرأي يتفق مع الشرع والعقل والنقل، وعندنا لذلك أكثر من دليل:
أولاً: هذه الغنائم ليست ملكًا لرسول الله  ليوزِّعها بطريقة تخالف التوزيعة الشرعية، وهذه الغنائم أصبحت الآن ملكًا للجيش، لا تؤخذ منه إلا باستئذان خاص، وهذا لم يحدث. ومن قال: إن هذا أمرٌ خاص بالرسول  يلزمه الدليل على ذلك، وإلا يصبح من حق أي زعيم أن يقول: إن ظرفي يماثل ظرف يوم حُنين، فيأخذ الغنائم كلها وينفقها حسب ما يرى.
ثانيًا: لو كان هناك تغيير في تقسيم الغنائم لتوقعنا أن يذكر  أن هذا أمر خاص بهذه الواقعة، حتى لا يعتقد البعض أن ما فعله هذا في حُنين قد نَسَخَ التقسيمة السابقة للغنائم. ونحن لم نجد حتى الآن هذا القول، وخاصةً أن هذه المعركة هي آخر موقعة حربية مع العرب، فحتى موقعة تبوك التي حدثت بعد ذلك، لم يحدث فيها قتال، ولم يكن فيها غنائم. فالموضوع خطير، ولا بد من توضيح.
ثالثًا: ما رواه أبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وكذلك عن عمرو بن عبس ، أن الرسول قال لأعرابي عند توزيع غنائم حُنين -بعد أن أمسك وبرة من سنام بعير بين إصبعيه-: "إِنَّهُ لَيْسَ لِي مِنَ الْفَيْءِ شَيْءٌ وَلاَ هَذِهِ إِلاَّ الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ".
وهذا تصريح من الرسول  قاله بعد توزيع الغنائم، ولا ندري -سبحان الله- كيف خفي هذا الحديث عمّن قال: إن الرسول  قد وزع الغنائم كلها على المؤلفة قلوبهم. والحديث أيضًا رواه الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت، والإمام مالك عن عمرو بن شعيب. ورأينا حرص الرسول  وتأكيده على أنه في هذا اليوم يوم حُنين، لا يملك إلا الخمس فقط من الغنائم.
رابعًا: لو راجعنا أرقام الغنائم ومن وُزِّع عليهم، لأدركنا أنه من المستحيل أن يكون الرسول  قد قسم كل هذه الغنائم على المؤلفة قلوبهم فقط. إن عدد الذين أعطاهم الرسول  هذا العطاء السخي لا يزيدون في أي كتاب من كتب السيرة على عشرين رجلاً، ولو جمعنا الأسماء من الكتب المختلفة سنصل بالرقم إلى أربعين أو خمسين بالكاد، فإذا كان الرسول يعطي الناس مائة مائة من الإبل، فعطاؤه لأربعين رجلاً سيبلغ أربعة آلاف بعير فقط، مع أنه كان يعطي بعضهم خمسين وليس مائة، أي سيكون أقل من أربعة آلاف أو خمسة آلاف، فهذه أربعة آلاف بعير، فأين ذلك من أربعة وعشرين ألف بعير هي غنائم حُنين؟!
وهذا غير الشياه، أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية من الفضة، وغيرها من السبي ستة آلاف، ولم يرد أنه أعطى أرقامًا كبيرة كمائة بعير، أو خمسين بعيرًا إلا لهذه المجموعة من الزعماء المؤلفة قلوبهم فقط.
خامسًا: هل كان يرضى أفراد القبائل من الأعراب ومن قريش بإعطاء زعمائهم فقط، أم أنهم لا يرضون أبدًا إلا إذا أخذوا شيئًا ولو قليلاً؟
أي لو أعطينا زعيم قبيلة غطفان مائة من الإبل، فهل سيرضى ألفان أو ثلاثة آلاف غطفاني عدم إعطائهم. لا شك أن قلوب الجميع كانت تهفو إلى الغنيمة، فكل هؤلاء الناس كانوا في حاجة إلى تأليف القلوب؛ لذلك نحن نرى أن تسعة وتسعين بالمائة من المسلمين الذين دخلوا في الإسلام بعد صلح الحديبية، وبعد فتح خيبر يحتاجون إلى تأليف القلوب، ولن يترفع منهم عن هذه الغنيمة إلا قليل القليل، أمثال خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، والعباس، وهم بعض الأفراد المعدودين، أما الجميع فسيحتاج إلى تأليف.
ودليل ذلك أن الرسول  عند الأزمة في حُنين لم ينادِ على الذين أسلموا بعد الفتح؛ لأنه يعلم أن الكثير منهم ما أسلم إلا رغبًا أو رهبًا، ولكن الرسول  قَصَر الدعوة في أصحاب الشجرة وفي أهل الحديبية، وهم الذين ضَمِن إيمانهم. أي إنه لكي يُرضِي المسلمين الجدد عليه أن يُعطي عشرة آلاف مقاتل من اثني عشر ألف مقاتل، فيكون المتبقي ألفًا وأربعمائة من الصحابة ، وهم أصحاب الشجرة؛ أي إذا كان الرسول  ناويًا أن يُعطِي عشرة آلاف مقاتل من الغنيمة، أيعجزه أن يُعطي الألف وأربعمائة مقاتل الباقين؟!
إنه كلام غريب ولا يقبل، وأصحاب الشجرة هم الذين أدوا ما عليهم، والذين دافعوا، وكافحوا كيد المشركين؛ فإعطاء ألف وأربعمائة لا يؤثر مطلقًا في إعطاء عشرة آلاف وستمائة، فليس هناك أي داعٍ من حرمانهم من الغنيمة الشرعية المستحقة، وهي أربعة أخماس الغنائم.
استدراك.. والرد عليه
وقد يقول قائل: إن هناك من يعكر صفو هذا التحليل، وهو أمران:
الأول: رواية البخاري ومسلم عن أنس بن مالك؛ لذلك أعطى الرسول  المؤلفة قلوبهم، ولم يعطِ الأنصار شيئًا.
والأمر الثاني: ما جاء في رواية البخاري ومسلم أن الأنصار قد وَجَدُوا في أنفسهم بعد توزيع الغنائم. أي حزنوا، ولو كانوا قد أخذوا، فماذا يحزنهم؟ وهذان الأمران إن شاء الله سنردُّ عليهما فيما بعد.
إن الشرع والمنطق والنقل يقول: إن الرسول  قسّم أربعة أخماس الغنائم على الجيش بكامله، سواء كانوا من المهاجرين أو الأنصار، أو الأعراب الذين أسلموا قبل الفتح أو طلقاء مكة. أي أنه قد قسم أربعة أخماس الغنائم على اثني عشر ألف مقاتل، وبعد ذلك قسّم الخمس المتبقي والمملوك للدولة، والذي يملك  فيه كزعيم للدولة وكقائد للأمة الإسلامية حق التصرف، قام الرسول  بتقسيم هذا القسم على المؤلفة قلوبهم، وهم الأربعون أو الخمسون رجلاً الذين أعطاهم وزادهم حتى يؤلِّف قلوبهم، والأربعة أخماس قام الرسول  بتقسيمها بين الاثني عشر ألف بالتساوي؛ لحديث عبادة بن الصامت  في مسند أحمد بن حنبل، وذكر فيه أن الرسول  كان يقسّم الغنائم بين الناس بالتساوي، كان الفارس يأخذ ثلاثة أضعاف الرَّاجِل، أي من معه فرس يأخذ ثلاثة أضعاف المترجِّل في القتال؛ لأنه يتولى رعاية الفرس من ماله الخاص، ومن جهده الخاص، وكانت الدولة لا تملك هذه الخيول، ولا تنفق عليها. والجزء الثاني وهو خمس الغنيمة قام الرسول  بتوزيعه بالطريقة التي يريدها  وحسب ما رأى، وكان هذا التوزيع يخصّ به الرسول بعض الرجال دون غيرهم.
كانت غنائم حُنين -كما قلنا قبل ذلك- أربعة وعشرين ألفًا من الإبل، وأربعين ألفًا من الشياه، وأربعة آلاف أوقية من الفضة، هذا غير ستة آلاف من السبي.
إن أربعة أخماس الغنيمة تساوي 19200 من الإبل، و32 ألف شاة، و3200 أوقية من الفضة، و4800 من السبي، وهذه الأربعة الأخماس وزعها الرسول على 12 ألفًا، وكانوا يقيمون الجمل الواحد بعشرة من الشياه. على ذلك لو حسبت الحسبة سوف تجد أن كل واحد من أفراد الجيش سوف يأخذ إما جملين، وإما 20 من الشياه، وبعض الكتب تقول: إن الواحد من 12 ألفًا كان يأخذ أربعة من الجمال، أو أربعين شاة، ولكن عندما نحسبها سوف نجد أن هذا الكلام غير مقبول؛ لأن الواحد كان يأخذ جملين أو عشرين من الشياه، أو أن يكون عدد الغنائم أكثر من ذلك.
ولكن الثابت والصحيح أن عدد الغنائم أربعة وعشرين ألفًا من الإبل، وأربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية من الفضة، فوجب أن تكون هذه التقسيمة كما نقول، وهي جملان أو عشرون من الشياه، وبذلك نستطيع أن نوزع الغنائم على 12 ألفًا، وبعد ذلك نقسّم الفضة، كل واحد يأخذ ربع أوقية من الفضة، وكان السبي يقسم بمعرفة الرسول ، وكان السبي 4800 يتوزعون على 12 ألفًا، فهناك من يأخذ، وهناك من لا يأخذ، وأحيانًا كان يقرع بين الصحابة ، وأحيانًا كان يعوضهم بالمال، وأحيانًا كان يعطي البعض، والبعض الآخر يُعطى من الغزو اللاحق بعد ذلك. المهم أنه  قسّم السبي على الصحابة ، والقاعدة التي تحكم هذا التقسيم كما ذكرنا التقسيم بالتساوي، فهذا كان الوضع.
وقفة مهمة
أما بالنسبة للخمس المتبقي فهذا يحتاج إلى وقفة طويلة، هذا المال مِلك للدولة، والرسول كقائد يوجّهه في الوجه الأصلح للدولة؛ قد يشتري به السلاح، وقد يفتدي به الأسرى، وقد تُعطَى منه الهبات لأهل النجدة، والبأس في الحرب، وقد تُعطَى منه الرواتب والأجور، وقد يدخل في مشروعات الدولة المختلفة. المهم أن القائد ينفقه في الوجه الأصلح للدولة، والرسول  رجل عمليّ يعيش على أرض الواقع، وهو يعلم أن في جيشه حديثي عهد بالإسلام، منهم من يقف على شفا حفرة، ومنهم من هو متردد جدًّا في أمر الإسلام، ومنهم من دخل الإسلام رهبًا من قوته، أو رغبًا في أمواله، ومنهم من كان سيِّدًا مطاعًا في قومه، ليس لأحدٍ في العرب كلمة واحدة عليه، فأصبح الآن تابعًا للرسول ، ومنهم من لو أمر قبيلته بالرِّدَّة ومحاربة المسلمين لفعلوا ذلك.
ويعلم الرسول  كل هذه الأمور، والرسول  لم يفترض أن الجميع مقتنع تمامَ الاقتناع بالإسلام، ولم يفترض أن الإيمان قد تغلغل في قلوبهم، ولم يفترض أن نور الإسلام قد محا تمامًا ظلمات الكفر التي عاشوا فيها سنوات وسنوات، وكان الرسول  يعلم أن الدولة الإسلامية تقف الآن على فوهة بركان خطير، ولو خطر على ذهن كل سيد من سادات العرب، وكل زعيم من زعماء القبائل المختلفة، أن يثور وينقلب على الدولة الإسلامية، فإن هذا قد يؤدي إلى دمار شامل في الدولة الجديدة؛ لأن الدولة الجديدة لم تستقر بعدُ، وبخاصة أن أموال وأملاك الدولة الإسلامية اتسعت جدًّا، وكثر أتباع المسلمين، وليس هناك وقت كافٍ لتربية كل هؤلاء المسلمين الجدد.
عَلِم الرسول  أنه لن يأمن جانب هؤلاء الزعماء السابقين إلا بترضية سخية ومجزية من الدولة الإسلامية؛ لأن هؤلاء الزعماء لو أحسوا أن حالتهم المادية قد استقرت، وأن أموالهم قد كثرت، وأن وضعهم الاجتماعي قد تحسن بعد انتمائهم للدولة الإسلامية، فسيُحِبُّون هذه الدولة التي حققت لهم هذا الرخاء، وسوف يحاولون بكل طاقة أن يدعموا هذه الدولة ليستمر وضعهم في التحسُّن إلى أن يحسن إسلامهم بعد ذلك.
نَعَمْ، إن الإيمان الذي يكون سببه حب المال إيمانٌ ضعيف، ولكن هذا يكون في البداية فقط، وإذا دخل في محاضن التربية الإسلامية يبدأ الإيمان في الرسوخ تدريجيًّا حتى يصبح الإيمان أغلى عنده من المال، وهذا يحتاج إلى وقت، والرسول  كان يعرف أن نظام القبليّة المترسخ في الجزيرة العربية منذ قرون يجعل لقائد القبيلة الكلمة العليا المطلقة في قبيلته؛ لذلك فكر  أن يشتري رضا هؤلاء الزعماء بالمال، وهؤلاء الزعماء سيؤثرون تأثيرًا إيجابيًّا في أتباعهم من القبائل المختلفة، ومن ثَمَّ فهو يشتري استقرار الدولة الإسلامية.
ولكننا نجد معوِّقًا لهذا الأمر، وهذا المعوق يحتاج إلى دراسة؛ لأن الرسول  يريد أن يشتريهم بالمال، ولكن كان هناك مشكلة، وهي أن هؤلاء الذين بذلوا الجهد في معركة حُنين، والذين كانوا سببًا مباشرًا من أسباب النصر هم قدامى المهاجرين والأنصار، وهؤلاء -بفضل الله- ثابتون في الإسلام دون شك، ولا يحتاجون إلى إغراء بالمال أو بغيره، وتاريخهم معروف جدًّا، ومواقفهم مشرفة، وأياديهم بيضاء على الإسلام والمسلمين.
وهؤلاء الأنصار والمهاجرون هم الذين اجتهدوا يوم حُنين، وكان الرسول  من عادته أن يُعطي عطاء أكبر لأهل البلاء ولمن بذل جهدًا زائدًا في القتال، وفعل ذلك في أكثر من موقعة قبل حُنين، فلو أراد الرسول  أن يكافئهم على جهدهم، فمن أين يعطيهم؟ كان يعطيهم الرسول  من الخمس الذي تمتلكه الدولة، فماذا يفعل الرسول  في هذا الموقف المحيِّر؟ هل يعطي زعماء القبائل الذين أسلموا حديثًا، ولم يبذلوا الجهد المطلوب في حُنين، ولم يعودوا إلى الصف إلا بعد رؤية الأمور تتجه لصالح المسلمين، ويشتري بإعطائهم استقرار الدولة الإسلامية؟ أم يُعطي الأنصار والمهاجرين الذين أبلوا أحسن البلاء ليكافئهم على جهدهم؟
الحقيقة أن الرسول  عقد مقارنة بين الوضعين، واختار الرسول -ودون تردد- الرأي الأول، وهو استقرار الدولة الإسلامية؛ لأن استقرار الدولة هدف تتضاءل بجواره الأهداف الأخرى، ولو تزعزع هذا الاستقرار، فإن الجميع سيدفعون الثمن، سواء من قدامى المسلمين أو من الذين أسلموا حديثًا، والجميع سيعانون من هذا الاضطراب في استقرار الدولة الإسلامية.
لا ننكر أن هناك ضررًا نفسيًّا وماديًّا سيقع على الأنصار والمهاجرين، ولكن الضرر الأكبر هو اضطراب الدولة الإسلامية وعدم استقرارها، فقام الرسول بتطبيق قاعدة دفع أكبر الضررين وجلب أكبر المنفعتين، ورأى الرسول  أن شراء زعماء القبائل بالمال مُقدَّم على مكافأة الأنصار والمهاجرين، بل وجد الرسول  أنه لا يستطيع أن يعطي جزءًا لسادة القبائل وجزءًا للمهاجرين والأنصار؛ لأن هذا سيؤدي إلى نقص عطاء سادة القبائل، فقد يستصغرونه أو يستحقرونه، ولا يتحقق المطلوب. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى سيجدون أنفسهم لا يشعرون بشيء من التميز عن غيرهم، ومن ثَمَّ قد لا يرضون تمام الرضا. وهذا الكلام قد لا يرضي عواطف المستمعين، ولكنه -لا شك- يقنع عقولهم.
وهذا الكلام نجد له تطبيقات كثيرة وعملية سوف نراها بعد ذلك في الفتوح، وفي أحداث الفتنة، وفي مواقف أخرى كثيرة سنراها في أكثر من موقف من مواقف التاريخ. ولا شك أن هذا هو الأفضل والأحكم؛ لأنه في الأساس اختيار نبويّ أقرَّه رب العالمين ولم ينزل وحي يعارض هذا القرار.
ونحن نعلم أن هناك أناسًا لن تقبل بهذه القسمة، ويظنون أن فيها جورًا، ولكننا نتذكر أن هذا هو فعل النبي  المؤيَّد بالوحي. وقد رأينا بعض الاستغراب ممن عاصر هذا الموقف، وعدم الفَهْم، وكان ممن استغرب مؤمنون شديدو الإيمان كالأنصار ، كذلك استغربه بعض الذين لم يتمكّن الإيمان في قلوبهم، وليسوا من السادة، ووصل استغرابهم إلى درجات غير مقبولة.
جاء رجل من الأعراب إلى الرسول ، كما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود ، وقال في غلظة: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله .
فغضب الرسول ، وقال: "وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟".
ونجد هنا أن الرسول  لم ينسب العدل في هذه القسمة له وحده، ولكنه قال: "يعدل الله ورسوله"؛ تأكيدًا على أن الأمر مؤيَّد بالوحي. وسبحان الله! مع أن هذه الكلمة كانت فاجرة من هذا الرجل، وقد تحمل على الكفر إلا أن الرسول  لم يشأ أن يقتله بها، مع أن عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد عرضا قتل هذا الرجل، ولكن الرسول  أمرهم ألاّ يقتلوه لعلّةٍ واضحة، وهي ألاّ يتحدث الناس أن محمدًا  يقتل أصحابه. كان الرسول  يعلم أنه لو قتل هذا الرجل لنفر الناس بعيدًا عن الدولة الإسلامية، مخافة القتل عند الخطأ؛ لذلك عامله الرسول  كما يعامل المنافقين الذين يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر.
ولكن هذه القصة أوضحت بصورة كبيرة بعض أحوال المسلمين الجدد، وأن هذه القصة ما كانت حدثًا عارضًا في يوم حُنين، وإنما تكررت كثيرًا عند تقسيم غنائم حُنين. ولا شك أن هذا كله كان يتراكم في ذهن الرسول  ليصبح سببًا واضحًا في القرار الذي أخذه بخصوص توزيع الخمس على الزعماء والسادة.
وهناك موقف آخر من رجل أعرابي، وهذا الموقف قد جاء في البخاري ومسلم، وهو يوضِّح طبيعة ونفسيات الأعراب الذين كانوا يشاركون في حُنين، يقول أبو موسى الأشعري : كنت عند النبي ، وهو نازل بالجِعْرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلال ، فأتى النبيَّ  أعرابيٌّ فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟
وكان الرسول  قد وعد بتقسيم الغنائم، ولكن هذا الوعد كان يوم حُنين، ثم توجه المسلمون إلى الطائف، وظل المسلمون أربعين يومًا في حصار الطائف، هذا غير أيام الذهاب والعودة، فتلطف الرسول  معه وقال له: "أَبْشِرْ".
أي سوف أعطيك. فردَّ الأعرابي في غلظةٍ تعبر عن نفسية منحرفة، فقال: قد أكثرت عليَّ مِن أبشر؟
هذا الرد من الأعرابي قد أثر جدًّا في نفسية الرسول ، فغضب، وذهب إلى أبي موسى الأشعري وبلال، وقال: "رَدَّ الأَعْرَابِيُّ الْبُشْرَى، قُلْتُ لَهُ: أَبْشِرْ، فَرَفَضَ، فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا".
فقالا: قبلنا.
ونرى في هذه القصة غلظة الأعراب الذين أسلموا حديثًا، ولم تُربَّ أخلاقهم بعدُ في الإسلام. وشئنا أم أبينا، فإن هذه النوعية من الناس، وهذه الفئة من المسلمين ستظل موجودة إلى يوم القيامة، فإما أن نعترف بالواقع ونتعايش معه، ونتعامل معهم على هذا الأساس، وإما أن نعيش في مثاليات وهميّة ليس لها مكان على أرض الواقع، مع كل ما يحمله هذا النهج الأخير من خطورة على الأمم. ونريد أن نلفت الأنظار إلى نقطة مهمَّة قبل الخوص في تفصيلات ما حدث عند تقسيم الخمس على الزعماء والسادة، وهو أنه لولا ثقة الرسول  التامة بالسابقين من الأنصار والمهاجرين لكان تطبيق هذا القرار مستحيلاً؛ لأن درجة إيمانهم لو كانت سطحيّة لاحتاجوا هم أيضًا إلى تأليف القلوب وإعطاء الأموال، ولكن الرسول  كان يعرف تمامًا أنهم عاشوا ليعطوا لا ليأخذوا، وعاشوا لدينهم لا لأنفسهم، وطلبوا الجنة ولم يطلبوا الدنيا.

ولنرَ ما فعله الرسول  في هذا الخمس مع زعماء مكة وقادة القبائل، مع العلم أن هذا الخمس يمثِّل رقمًا كبيرًا من الغنائم، فهو يتكون من 4800 من الإبل، و8000 شاة، و800 أوقية من الفضة، و1200 من السبي.
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

.

Rasulullah s.a.w bersabda :

” Sesungguhnya seorang hamba yang bercakap sesuatu kalimah atau ayat tanpa mengetahui implikasi dan hukum percakapannya, maka kalimah itu boleh mencampakkannya di dalam Neraka lebih sejauh antara timur dan barat” ( Riwayat Al-Bukhari, bab Hifdz al-Lisan, 11/256 , no 2988)