بسم الله الرحمن الرحيم
أصول الصحوة الجديدة
بقلم الشيخ؛ علي بن خضير الخضير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
إن الصحوة الأم في الآونة الأخيرة بدأت تعيش أزمات متلاحقة، ولا
بد أن نعي أن هذه الأحداث التي تعصف بالصحوة الأم وتهدد بتفككها ليست أحداثاً
فردية وليست أيضاً من باب الزلات أو كبوة فارس، بل هي توجه يحمل في طياته أصولاً
وركائز ختَرج لنا بين الفينة والأخرى، فبعد أن كانت الصحوة الأم تعيش متماسكة
قوية، انشق منها الآن توجهان - ولا حول
ولا قوة إلا بالله -
1( عصرانيون: وهؤلاء أول فرقة
انشقت، وهم علمانيون بثياب إسلامية، وسبق أن
كتبت فيهم رسالة تبين أصولهم ومراحلهم.
2( تيار انهزامي: وما زال هذا
التيار المنشق عن الصحوة الأم يعيش فترة نمو، وما بين الفينة والفينة يستحدث من
الأصول ما يناسب العصر والواقع، ثم يلبسه لباس أهل السنة والجماعة، ولباس
الاجتهادات المسموح فيها، وعمر هذا التيار لا يتجاوز السنتين تقريبا لا
تحديدا.
ونبدأ بالفرقة الثانية التي
انشقت عن الصحوة الأم، وهي ما يُسمى ؛ بالصحوة الجديدة، أو الصحوة الثانية، أو
الصحوة الواقعية، أو تصحيح الصحوة، أو الصحوة المعتدلة، أو تيار تجديد الخطاب
الإسلامي، أو ما سموا به أنفسهم أخيراً ؛ التيار الوسطي المعتدل...
كل هذه أسماء مترادفة لهذا التيار، ولهم أطروحات جديدة منها:
1( الأصل الأول في
باب الأيمان والكفر: ففي باب الإيمان يتجهون إلى
الإرجاء وفي باب التكفير إلى التجهم، ولذا لا يكفرون
الساب حتى يعتقد، ولا الحاكم بالقوانين حتى يعتقد، ولا من تولى الكفار حتى يعتقد،
ولا من يتحالف مع الكفار حتى يعتقد، وهذه المفردات انقلبت إلى أصل هو الإرجاء.
ومن أصولهم في باب التكفير:
أ( التحذير المطلق من التكفير عموما د ون تفصيل.
ب( إطلاق التفريق بين القول والقائل والفعل والفاعل دائماً وفي
كل مسألة سواء أكانت في باب الشرك الأكبر أم في المسائل الظاهرة لمن قامت عليه
الحجة، مع أنه اجتمعت الأسباب وانتفت الموانع، ولذا فليس عندهم أعيان يكفرونهم إلا
من جاء ذكرهم في الكتاب والسنة.
ج( هجر علم وفقه باب التكفير والتحذير من تعلمه والتفقه فيه وعدم
تدريسه وترك كتبه، والتحذير من كتب أئمة الدعوة النجدية، واعتبار تعلم أصول
التوحيد وتكرار كتاب التوحيد للشيخ محمد
بن عبد الوهاب لا داعي له، وهجر دراسة نواقض الإسلام واعتبار دراستها فتنة وجرأة
على التكفير.
د( عدم الاهتمام بمسائل الولاء والبراء والبغض والمعاداة وعدم
الاهتمام بمسألة الكفر بالطاغوت، ويرددون أننا غير متعبدين بذلك ولن يسألنا الله
عنها، وليس في علم ذلك فائدة.
هـ( الإطلاق في مسائل العذر بالجهل والتوسع فيه حتى في الجهال
المعاندين والمفرطين، وحتى وصل الأمر عند بعضهم إلى إعذار جهال اليهود
والنصارى.
و( الدعوة إلى التسامح والسلام العالمي وترديد ذلك.
ز( التحذير من تكفير الطغاة المبدلين ونبذ من كفّرهم
وعاداهم على هذا الأصل.
ح( جعل أشخاص معينين من السياسيين هم المعيار والميزان، فمن
كفّرهم - مع أنهم أتوا بأسباب الكفر الصراح وانتفت الموانع - فهو حروري وتكفيري
وصاحب فتنة وليس من أهل السنة .
2( وفي باب الجهاد
معطلة للجهاد المسلح؛ ومخذّ لة ومرجفة: ويجعلون مراحل تعجيزية للجهاد
المسلح حقيقتها تنتهي إلى تعطيل الجهاد، وّيّسّتبدلونه بجهاد الكلمة أو الشبكة -
الانترنت - أو جهاد التربية، أو جهاد الفضائيات التي أفسدوا بها الناس وأفسدوا بها
شباب الصحوة، وبعضهم يرون أنه لا جهاد طلب، ويهاجمون المجاهدين ويلمزونهم
ويتهمونهم بالاستعجال والغلو وعدم فهم الواقع، وأنهم تكفيريون وخوارج وأهل ردود
أفعال فقط، وأنهم افتاتوا على الأمة ولم يشاوروا العلماء، ولا يراعون المصالح
والمفاسد، وأضاعوا مكاسب الدعوة، وجروا الأمة إلى صراع غير متكافئ... إلى غير ذلك
من الجور والظلم العظيم الذي ظلموا به إخوانهم.
ومن شبهاتهم في هذا الباب؛ أن الأمة غير مهيأة للجهاد، ولا يجوز
جرّ الأمة إلى معركة غير متكافئة، ويشترطون التكافؤ في الجهاد وأن يسبقه التربية،
ويتهمون الجهاديين بأنهم أضاعوا مكاسب الصحوة مثل إغلاق جمعيات الإغاثة في الغرب
والمراكز الإسلامية فيها، وكذا قلة الدروس العلمية والتأليف وتسلط الغرب على
الانترنت وهكذا، وقد يفصلون أو يطردون الجهاديين من حلقاتهم وتجمعاتهم ومنازلهم
ويؤثمونهم، وينفون عنهم الأجر والمثوبة والقبول من الله ويجعلون قتلاهم ليسوا
شهداء.
3( وفي باب الفقه
فتحوا باب الترخص: واستحدثوا ما يسمى - زورا وبهتانا - بفقه التيسير، وهو
اختيار ما يوافق العصر وفيه يسر على الناس - زعموا - مما اختلف فيه أهل العلم،
علما بأن الأصل في مثل هذا؛ أن ما اختلف فيه أهل العلم يرجح الراجح بناءا على ما
دلت النصوص عليه، وهؤلاء عكسوا، فكانوا يرجحون على أساس يسره على الناس، وبهذا
الأصل الباطل أفتوا بأشياء في الحج والبيوع واللباس والفضائيات وما يتعلق بالمرأة
والحجاب واللحية وصلاة الجماعة في البيت والسفر بدون محرم، والتساهل في سماع
الغناء والموسيقى بحجة أن هناك فرقاً بين السماع والاستماع، والسفر من أجل
الاستمتاع بالنساء بعقد ظاهره الجواز، وحقيقته حيلة من أجل الاستمتاع فقط؛ فحقيقته
نكاح متعة من غير نية الاستقرار معها أو الإنجاب... الخ، فأصبحوا أهل أهواء
وترخصات في باب الفقه.
4( وفي باب الموقف من أهل البدع والأهواء استخدام سياسة الاحتواء
والموازنات بين الحسنات والسيئات.
5( وفي باب الموقف من العلمانيين والسياسيين استخدام أسلوب الحوار
ومد الجسور، وترك مجاهدتهم والاحتساب عليهم وهجر أصول السلف فيهم.
6( التركيز من الناحية السياسية على قضايا معينة لا يختلف فيها أحد
لكسب رضا الجميع، مع إهمال قضايا مهمة:
كالتوحيد وأصول الولاء والبراء ومسائل الكفر بالطاغوت ومسائل تبني الجهاد
والمجاهدين والأمر والنهي والاحتساب في ذلك.
7( استخدام أسلوب البرلمانات أو التحالف مع العلمانيين أو
السياسيين أو التربية والتثقيف والوعي واتَاذ ذلك طريقا لإقامة الدولة الإسلامية.
8( تعظيم جانب المصلحة
والسياسة الشرعية في ظنهم ولو خالفت الشرع: فإن أكثر استدلالهم في
مواقفهم بالمصلحة، ولذا انتقدوا تكسير أصنام بوذا من قبل حكومة الإمارة الإسلامية
في أفغانستان بحجة أن المصلحة تقتضي التمهل وعدم الاستعجال في تكسيرها، ثم يخترعون
المفاسد الظنية - مع العلم بأن أعظم المصالح؛ إقامة التوحيد وكسر الشرك - ويعارضون
أعمال المجاهدين باسم المصلحة، ويتنازلون عن أشياء في العقيدة والأصول باسم
المصلحة، ويستخدمون المناورات السياسية باسم المصلحة والسياسة الشرعية، ويكون لهم
كلام خاص يُخالف الكلام المعلن باسم المصلحة والسياسة الشرعية، وتركوا بيان الحق
ورد الخطأ باسم مصلحة الاجتماع - زعموا - وتركوا التراجع عن الخطأ الذي يعترفون
سرا أنهم اخطأوا فيه من باب المصلحة ووحدة الصف، مع أن التلبيس به باق ولا زال
نشره ساري المفعول، واستغلال أهل الباطل له باق.
9( ثم أحدثوا مسألة
التعايش مع الأمريكان: عن طريق الأرض المشتركة والأصول
المتفق عليها مع نبذ العنف والإرهاب والتعاون على ذلك،
وأحدثوا هذا الأصل في الوقت الذي كثرت فيه الدعوات إلى الحوار والتعايش مع الغرب
وخصوصا مع الأمريكان، مسايرة لهذا الواقع، وأيضا رسالة إلى بعض السياسيين من باب
الاسترضاء، وهذا الأصل وعدوا بنشره وإشاعته، والى كتابة هذه الأسطر وهو منشور .
11( ولما ظهرت الردود على مسألة
التعايش انتهجوا وروّجوا لإلغاء باب
الردود: واعتباره مفرقا
للجماعة ومبعثرا للصف، وأنه من أسباب الفرقة والضياع، ناسفين بذلك طريقة السلف في
الردود المبينة للحق المزيلة للخطأ، مع أنهم في القديم ردوا على فتاوى مشهورة وعلى
علماء مشهورين ولم يلتفتوا إلى مسألة أن الرد ود مفرقة للجماعة مبعثرة للصف!
وبهذه المناسبة سوف أذكر لك أيها القارئ الحبيب نماذج من ردود
السلف بقصد بيان الحق ورد الخطأ:
-
كتاب "السير"
للأوزاعي، وهو رد على سير أبي حنيفة.
-
وكتاب "الرد على سير
الأوزاعي" لأبي يوسف.
-
كتاب "الرد على محمد بن
الحسن" للشافعي.
-
الكتب المسماة بـ" الرد
على الجهمية"، للإمام أحمد والدارمي وأبي داود في سننه وابن ماجة في سننه.
-
و "الرد على بشر
المريسي" للدارمي.
-
"المصنف" لابن أبي شيبة
في فصل الرد على أبي حنيفة رحمه الله.
-
وفصل في "السنة"
لعبد الله بن أحمد فصل بعنوان "الرد على أبي حنيفة".
-
"رسالة السجزي إلى أهل زبيد
في الرد على من أنكر الحرف والصوت".
-
رسالة ابن قدامة المقدسي في
الرد على ابن عقيل الحنبلي.
-
ردود البيهقي على من رد على
الشافعي، مثل كتاب "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي"، و "كتاب
الانتقاد على الشافعي".
-
ردود أبي يعلى، مثل كتاب
"الرد على ابن اللبان الشافعي"، وكتاب "الرد على الكرامية "،
وكتاب "الرد على السالمية".
-
ردود ابن تيمية، مثل
"الرد على الأخنائي"، وكتاب "الرد على البكري"، "قاعدة
في الرد على الغزالي في التوكل".
-
كتاب "الصارم المنكي في
الرد على السبكي"، لمحمد بن أحمد بن عبد الهادي.
-
وكتب ابن القيم في
الردود.
-
وكتاب "الرد الوافر على
من زعم بأن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر"، لابن ناصر الدين الدمشقي.
-
ردود الشيخ محمد بن عبد
الوهاب، مثل ؛ كتاب "مفيد
المستفيد" ردا على أخيه سليمان، "رسالة في الرد على الرافضة".
-
ردود عبد اللطيف بن عبد
الرحمن، مثل؛" منهاج التأسيس في كشف شبهات داود بن جرجيس"، وكتاب
"الإتحاف في الرد على الصحاف"، وكتاب "دلائل الرسوخ في الرد على
المنفوخ"، وكتاب "البراهين الإسلامية في رد الشبه الفارسية".
-
كتاب "الانتصار لحزب الله
الموحدين والرد على المجادل عن المشركين"، لعبد الله أبا بطين.
-
كتاب" تنبيه النبيه
والغبي في الرد على المدراسي والسندي والحلبي:، لأحمد بن عيسى.
-
ردود ابن سحمان، مثل ؛"
الأسنة الحداد في الرد على علوي حداد"، و
"الصواعق المرسلة الشهابية
على الشبه الداحضة الشامية"، و "تأييد مذهب السلف وكشف شبهات من حاد
وانحرف ودعي باليماني شرف"، و "البيان المبدي لشناعة القول
المجدي".
-
كتاب "غاية الأماني في
الرد على النبهاني"، لمحمود الآلوسي.
-
كتاب "نقض المباني في
فتوى اليماني وتحقيق المرام فيما يتعلق بالمقام"، للشيخ سليمان بن
حمدان.
-
وعبد الرحمن المعلمي في كتابه
"التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل".
-
الشيخ عبد الله بن حميد في
كتابه "الرد على ابن محمود".
-
كتب الشيخ حمود التويجري،
ومنها؛ "الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد
النبوي"، "السراج الوهاج في الرد على شلبي في الإسراء والمعراج "،
كتابه في الرد على أهل الفلك المسمى "الصواعق الشديدة على اتباع الهيئة
الجديدة".
* *
*
القسم الثاني الذي انشق من
الصحوة الأم؛ وهؤلاء هم الغلاة، وهم ما يسمى بالعصرانيين:
وهؤلاء أطروحتهم مثل أطروحات العلمانيين في المرأة والاقتصاد
والسياسة والمال والغناء والفن والتمثيل، وهم مرجئة في باب الإيمان، جهمية في باب
التكفير مع رقة في الدين، وعلمانيين في باب السياسة والحكم .
* *
*
تنبيه:
هناك من أهل الصحوة من يوافق التيار الانهزامي بأصل أو أصلين،
فهذا لا يكون منهم، ولا يحسب عليهم، لكنه يُخشى عليه الانخراط في سلكهم إن لم
يتدارك أمره، وهذا يُقال فيه؛ أخطأ في هذا فقط، ويبقى على ما كان عليه، والله
أعلم.
* *
*
وما عدا القسمين السابقين، بقيت الصحوة الأم - ولله الحمد - على
أصول أهل السنة في الإيمان والتوحيد والتكفير والفقه والجهاد والسياسة والموقف من
الكفار والعلمانيين والضالين والمبتدعين ورفض التعايش ورفض والأطروحات العلمانية
وغير ذلك، وهم جمهور الصحوة اليوم - ولله الحمد - ولم يشذ عنها إلا أولئك النفر
القليل الذين أحدثوا الفرقة والشقاق.
نسأل الله أن يهدينا وإياهم وأن يردهم إلى الحق وأن يجنب
المسلمين الفرقة والخلاف والعداوة والبغضاء المخالفة للشريعة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم