يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) ۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)
الاعراب :
«وَالسَّارِقُ» الواو استئنافية السارق مبتدأ خبره محذوف أي : فيما يتلى عليكم على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه والتقدير حكم السارق والسارقة فيما .. «وَالسَّارِقَةُ» عطف «فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» فعل أمر وفاعل ومفعول به منصوب بالفتح
«جَزاءً» مفعول لأجله «بِما كَسَبا» فعل ماض والألف فاعل والمصدر المؤول من ما المصدرية والفعل في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بالمصدر «جَزاءً» ويجوز أن تكون ما موصولية. «نَكالًا» مفعول لأجله أو بدل جزاء «مِنَ اللَّهِ» لفظ الجلالة مجرور بمن متعلقان بنكالا «وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» لفظ الجلالة مبتدأ وخبراه والجملة مستأنفة.
التفسير ابن كثير :
يقول تعالى حاكما وآمرا بقطع يد السارق والسارقة ، وروى الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي عن عامر بن شراحيل الشعبي أن ابن مسعود كان يقرؤها : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما " . وهذه قراءة شاذة ، وإن كان الحكم عند جميع العلماء موافقا لها ، لا بها ، بل هو مستفاد من دليل آخر . وقد كان القطع معمولا به في الجاهلية ، فقرر في الإسلام وزيدت شروط أخر ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى ، كما كانت القسامة والدية والقراض وغير ذلك من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه ، وزيادات هي من تمام المصالح . ويقال : إن أول من قطع الأيدي في الجاهلية قريش قطعوا رجلا يقال له : " دويك " مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة كان قد سرق كنز الكعبة ، ويقال : سرقه قوم فوضعوه عنده .
وقد ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئا قطعت يده به ، سواء كان قليلا أو كثيرا ; لعموم هذه الآية : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) فلم يعتبروا نصابا ولا حرزا ، بل أخذوا بمجرد السرقة .
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد المؤمن عن نجدة الحنفي قال : سألت ابن عباس عن قوله : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) أخاص أم عام ؟
فقال : بل عام .
وهذا يحتمل أن يكون موافقة من ابن عباس لما ذهب إليه هؤلاء ، ويحتمل غير ذلك ، فالله أعلم .
وتمسكوا بما ثبت في الصحيحين ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لعن الله السارق ، يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " . وأما الجمهور فاعتبروا النصاب في السرقة ، وإن كان قد وقع بينهم الخلاف في قدره ، فذهب كل من الأئمة الأربعة إلى قول على حدة ، فعند الإمام مالك بن أنس رحمه الله : النصاب ثلاثة دراهم مضروبة خالصة ، فمتى سرقها أو ما يبلغ ثمنها فما فوقها وجب القطع ، واحتج في ذلك بما رواه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم . أخرجاه في الصحيحين .
قال مالك رحمه الله : وقطع عثمان رضي الله عنه ، في أترجة قومت بثلاثة دراهم ، وهو أحب ما سمعت في ذلك . وهذا الأثر عن عثمان رضي الله عنه ، قد رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه ، عن عمرة بنت عبد الرحمن : أن سارقا سرق في زمان عثمان أترجة ، فأمر بها عثمان أن تقوم ، فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار ، فقطع عثمان يده .
قال أصحاب مالك : ومثل هذا الصنيع يشتهر ، ولم ينكر ، فمن مثله يحكى الإجماع السكوتي ، وفيه دلالة على القطع في الثمار خلافا للحنفية . وعلى اعتبار ثلاثة دراهم خلافا لهم في أنه لا بد من عشرة دراهم وللشافعية في اعتبار ربع دينار ، والله أعلم .
وذهب الشافعي رحمه الله ، إلى أن الاعتبار في قطع يد السارق بربع دينار أو ما يساويه من الأثمان أو العروض فصاعدا . والحجة في ذلك ما أخرجه الشيخان : البخاري ومسلم من طريق الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا " .
ولمسلم من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة ، عن عائشة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " .
قال أصحابنا : فهذا الحديث فاصل في المسألة ونص في اعتبار ربع الدينار لا ما ساواه . قالوا : وحديث ثمن المجن ، وأنه كان ثلاثة دراهم ، لا ينافي هذا ; لأنه إذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهما ، فهي ثمن ربع دينار ، فأمكن الجمع بهذه الطريق .
ويروى هذا المذهب عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم . وبه يقول عمر بن عبد العزيز والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي وأصحابه وإسحاق ابن راهويه - في رواية عنه - وأبو ثور وداود بن علي الظاهري رحمهم الله .
وذهب الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه - في رواية عنه - إلى أن كل واحد من ربع الدينار والثلاثة دراهم مرد شرعي ، فمن سرق واحدا منهما ، أو ما يساويه قطع عملا بحديث ابن عمر وبحديث عائشة رضي الله عنهما ، ووقع في لفظ عند الإمام أحمد عن عائشة [ رضي الله عنها ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اقطعوا في ربع دينار ، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك " وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم ، والدينار اثني عشر درهما . وفي لفظ للنسائي : لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن . قيل لعائشة : ما ثمن المجن ؟ قالت : ربع دينار .
فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم ، والله أعلم .
وأما الإمام أبو حنيفة وأصحابه : أبو يوسف ومحمد وزفر وكذا سفيان الثوري رحمهم الله ، فإنهم ذهبوا إلى أن النصاب عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة . واحتجوا بأن ثمن المجن الذي قطع فيه السارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان ثمنه عشرة دراهم . وقد روى أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا ابن نمير وعبد الأعلى وعن محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال : كان ثمن المجن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم .
ثم قال : حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن " . وكان ثمن المجن عشرة دراهم .
قالوا : فهذا ابن عباس وعبد الله بن عمرو قد خالفا ابن عمر في ثمن المجن ، فالاحتياط الأخذ بالأكثر ; لأن الحدود تدرأ بالشبهات .
وذهب بعض السلف إلى أنه تقطع يد السارق في عشرة دراهم ، أو دينار ، أو ما يبلغ قيمته واحدا منهما ، يحكى هذا عن علي وابن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي جعفر الباقر رحمهم الله تعالى .
وقال بعض السلف : لا تقطع الخمس إلا في خمس ، أي : في خمسة دنانير ، أو خمسين درهما . وينقل هذا عن سعيد بن جبير رحمه الله .
وقد أجاب الجمهور عما تمسك به الظاهرية من حديث أبي هريرة : " يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " بأجوبة :
أحدها : أنه منسوخ بحديث عائشة . وفي هذا نظر ; لأنه لا بد من بيان التاريخ .
والثاني : أنه مؤول ببيضة الحديد وحبل السفن ، قاله الأعمش فيما حكاه البخاري وغيره عنه .
والثالث : أن هذا وسيلة إلى التدرج في السرقة من القليل إلى الكثير الذي تقطع فيه يده ، ويحتمل أن يكون هذا خرج مخرج الإخبار عما كان الأمر عليه في الجاهلية ، حيث كانوا يقطعون في القليل والكثير ، فلعن السارق الذي يبذل يده الثمينة في الأشياء المهينة .
وقد ذكروا أن أبا العلاء المعري لما قدم بغداد اشتهر عنه أنه أورد إشكالا على الفقهاء في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار ، ونظم في ذلك شعرا دل على جهله ، وقلة عقله فقال :
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار تناقض ما لنا إلا السكوت له
وأن نعوذ بمولانا من النار
ولما قال ذلك واشتهر عنه تطلبه الفقهاء فهرب منهم . وقد أجابه الناس في ذلك ، فكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله ، أنه قال : لما كانت أمينة كانت ثمينة ، فلما خانت هانت . ومنهم من قال : هذا من تمام الحكمة والمصلحة وأسرار الشريعة العظيمة ، فإنه في باب الجنايات ناسب أن تعظم قيمة اليد بخمسمائة دينار لئلا يجنى عليها ، وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار لئلا يتسارع الناس في سرقة الأموال ، فهذا هو عين الحكمة عند ذوي الألباب ; ولهذا قال [ تعالى ] ( جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ) أي : مجازاة على صنيعهما السيئ في أخذهما أموال الناس بأيديهم ، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك ( نكالا من الله ) أي : تنكيلا من الله بهما على ارتكاب ذلك ( والله عزيز
وقد ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئا قطعت يده به ، سواء كان قليلا أو كثيرا ; لعموم هذه الآية : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) فلم يعتبروا نصابا ولا حرزا ، بل أخذوا بمجرد السرقة .
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد المؤمن عن نجدة الحنفي قال : سألت ابن عباس عن قوله : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) أخاص أم عام ؟
فقال : بل عام .
وهذا يحتمل أن يكون موافقة من ابن عباس لما ذهب إليه هؤلاء ، ويحتمل غير ذلك ، فالله أعلم .
وتمسكوا بما ثبت في الصحيحين ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لعن الله السارق ، يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " . وأما الجمهور فاعتبروا النصاب في السرقة ، وإن كان قد وقع بينهم الخلاف في قدره ، فذهب كل من الأئمة الأربعة إلى قول على حدة ، فعند الإمام مالك بن أنس رحمه الله : النصاب ثلاثة دراهم مضروبة خالصة ، فمتى سرقها أو ما يبلغ ثمنها فما فوقها وجب القطع ، واحتج في ذلك بما رواه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم . أخرجاه في الصحيحين .
قال مالك رحمه الله : وقطع عثمان رضي الله عنه ، في أترجة قومت بثلاثة دراهم ، وهو أحب ما سمعت في ذلك . وهذا الأثر عن عثمان رضي الله عنه ، قد رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه ، عن عمرة بنت عبد الرحمن : أن سارقا سرق في زمان عثمان أترجة ، فأمر بها عثمان أن تقوم ، فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار ، فقطع عثمان يده .
قال أصحاب مالك : ومثل هذا الصنيع يشتهر ، ولم ينكر ، فمن مثله يحكى الإجماع السكوتي ، وفيه دلالة على القطع في الثمار خلافا للحنفية . وعلى اعتبار ثلاثة دراهم خلافا لهم في أنه لا بد من عشرة دراهم وللشافعية في اعتبار ربع دينار ، والله أعلم .
وذهب الشافعي رحمه الله ، إلى أن الاعتبار في قطع يد السارق بربع دينار أو ما يساويه من الأثمان أو العروض فصاعدا . والحجة في ذلك ما أخرجه الشيخان : البخاري ومسلم من طريق الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا " .
ولمسلم من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة ، عن عائشة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " .
قال أصحابنا : فهذا الحديث فاصل في المسألة ونص في اعتبار ربع الدينار لا ما ساواه . قالوا : وحديث ثمن المجن ، وأنه كان ثلاثة دراهم ، لا ينافي هذا ; لأنه إذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهما ، فهي ثمن ربع دينار ، فأمكن الجمع بهذه الطريق .
ويروى هذا المذهب عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم . وبه يقول عمر بن عبد العزيز والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي وأصحابه وإسحاق ابن راهويه - في رواية عنه - وأبو ثور وداود بن علي الظاهري رحمهم الله .
وذهب الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه - في رواية عنه - إلى أن كل واحد من ربع الدينار والثلاثة دراهم مرد شرعي ، فمن سرق واحدا منهما ، أو ما يساويه قطع عملا بحديث ابن عمر وبحديث عائشة رضي الله عنهما ، ووقع في لفظ عند الإمام أحمد عن عائشة [ رضي الله عنها ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اقطعوا في ربع دينار ، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك " وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم ، والدينار اثني عشر درهما . وفي لفظ للنسائي : لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن . قيل لعائشة : ما ثمن المجن ؟ قالت : ربع دينار .
فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم ، والله أعلم .
وأما الإمام أبو حنيفة وأصحابه : أبو يوسف ومحمد وزفر وكذا سفيان الثوري رحمهم الله ، فإنهم ذهبوا إلى أن النصاب عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة . واحتجوا بأن ثمن المجن الذي قطع فيه السارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان ثمنه عشرة دراهم . وقد روى أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا ابن نمير وعبد الأعلى وعن محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال : كان ثمن المجن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم .
ثم قال : حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن " . وكان ثمن المجن عشرة دراهم .
قالوا : فهذا ابن عباس وعبد الله بن عمرو قد خالفا ابن عمر في ثمن المجن ، فالاحتياط الأخذ بالأكثر ; لأن الحدود تدرأ بالشبهات .
وذهب بعض السلف إلى أنه تقطع يد السارق في عشرة دراهم ، أو دينار ، أو ما يبلغ قيمته واحدا منهما ، يحكى هذا عن علي وابن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي جعفر الباقر رحمهم الله تعالى .
وقال بعض السلف : لا تقطع الخمس إلا في خمس ، أي : في خمسة دنانير ، أو خمسين درهما . وينقل هذا عن سعيد بن جبير رحمه الله .
وقد أجاب الجمهور عما تمسك به الظاهرية من حديث أبي هريرة : " يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " بأجوبة :
أحدها : أنه منسوخ بحديث عائشة . وفي هذا نظر ; لأنه لا بد من بيان التاريخ .
والثاني : أنه مؤول ببيضة الحديد وحبل السفن ، قاله الأعمش فيما حكاه البخاري وغيره عنه .
والثالث : أن هذا وسيلة إلى التدرج في السرقة من القليل إلى الكثير الذي تقطع فيه يده ، ويحتمل أن يكون هذا خرج مخرج الإخبار عما كان الأمر عليه في الجاهلية ، حيث كانوا يقطعون في القليل والكثير ، فلعن السارق الذي يبذل يده الثمينة في الأشياء المهينة .
وقد ذكروا أن أبا العلاء المعري لما قدم بغداد اشتهر عنه أنه أورد إشكالا على الفقهاء في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار ، ونظم في ذلك شعرا دل على جهله ، وقلة عقله فقال :
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار تناقض ما لنا إلا السكوت له
وأن نعوذ بمولانا من النار
ولما قال ذلك واشتهر عنه تطلبه الفقهاء فهرب منهم . وقد أجابه الناس في ذلك ، فكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله ، أنه قال : لما كانت أمينة كانت ثمينة ، فلما خانت هانت . ومنهم من قال : هذا من تمام الحكمة والمصلحة وأسرار الشريعة العظيمة ، فإنه في باب الجنايات ناسب أن تعظم قيمة اليد بخمسمائة دينار لئلا يجنى عليها ، وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار لئلا يتسارع الناس في سرقة الأموال ، فهذا هو عين الحكمة عند ذوي الألباب ; ولهذا قال [ تعالى ] ( جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ) أي : مجازاة على صنيعهما السيئ في أخذهما أموال الناس بأيديهم ، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك ( نكالا من الله ) أي : تنكيلا من الله بهما على ارتكاب ذلك ( والله عزيز
) أي : في انتقامه ( حكيم ) أي : في أمره ونهيه وشرعه وقدره .
هـــذا النص القرآني المعجز جاء في مطلع سورة المائدة, وهي سورة مدنية, وعدد آياتها(120) بعد البسملة, وهي من طوال سور القرآن الكريم, ومن أواخرها نزولاً, وسميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى المائدة التي أنزلها الله ـ تعالى ـ من السماء كرامة لعبده ورسوله المسيح عيسى ابن مريم.
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول التشريع الإسلامي بعدد من الأحكام اللازمة لإقامة دولة الإسلام, ولتنظيم المجتمع فيها على مختلف المستويات تنظيماً ينطلق من ركائز العقيدة الإسلامية القائمة على توحيد الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ ومراقبته في السر والعلن, والاستعداد لملاقاته بعد هذه الحياة الدنيا بصفحة مليئة بصالح الأعمال علها تكسب مرضاة الله, والفوز بالجنة, والنجاة من النار, وكذلك كان أول بنود هذا التشريع الإسلامي هو عقد الإيمان بالله رباً واحداً أحداًً, وبالإسلام ديناً خالصاًً, وبسيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبياً ورسولاً, وكان هذا العقد هو القاعدة التي تقوم عليها سائر العقود في حياة المسلمين أفراداً وجماعات, ومن هنا نصت سورة المائدة على الوفاء بالعقود وعلى بيان الحلال والحرام في العديد من القضايا حتى يصل المسلمون إلى الكمال البشري الذي يصفه الله(تعالى) بقوله العزيز "اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (المائدة: 3)ويتخلل آيات التشريع في سورة المائدة تأكيد سمو العقيدة الإسلامية , واستعراض قصص عدد من السابقين لاستخلاص العظة والعبرة , ومنها قصة ولدي آدم قابيل وهابيل وقتل الأول منهما أخاه رمزا للصراع بين الحق والباطل في هذه الحياة . وتأمر الآيات في سورة المائدة المؤمنين أن يكونوا قوامين لله شهداء بالقسط وتبشرهم بالمغفرة والأجر العظيم , وتتهدد الذين كفروا وكذبوا بآيات الله أن مصيرهم إلى الجحيم , وكذلك مصير المشركين .
وتعرض سورة المائدة لعقائد الكفار والمشركين وترد عليها , وقد نسبوا إلى الله (تعالى) من الأوصاف والنعوت ما لا يليق بجلاله , ونقضوا العهود والمواثيق , وتنادي السورة الكريمة على أهل الكتاب بنداء يتكرر عدة مرات وذلك من مثل قول الحق (تبارك وتعالى) : " يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌوَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (المائدة19) .ثم تعرض السورة الكريمة لعدد من الأحكام المتعلقة بحماية النفس , والمال والملكيات الفردية , والمجتمعات الإنسانية , وصيانتها من كل انحراف , كما تعرض للسلطة وحقوقها , وإلى ضرورة الحكم بما أنزل الله , وتجرم الخروج على ذلك , لأن حق التشريع بالحل والحرمة هو لله (تعالى ) وحده .
وتفصل سورة المائدة قضية الولاء والبراء مؤكدة دورها في ضبط سلوك الأفراد والجماعات في الدولة المسلمة , وتعرج إلى إقرار عدد من الأحكام الشرعية مؤكدة تحريم كل من الخمر , والميسر , والأنصاب والأزلام , وتدعو إلى تعظيم كل من الكعبة المشرفة والأشهر الحرم , وتأمر بطاعة الله ورسوله وتنهى عن مخالفتهما , وتذكر بحتمية الآخرة , وتدعو إلى عدم الانبهار بكثرة الباطل وأهله , وإلى إنكار كل ما بقي من تقاليد الجاهلية , و (ما أكثرها في زمننا) .
وتختتم سورة المائدة بالتذكير بيوم القيامة الذي سوف تبعث فيه الخلائق للحساب والجزاء , وبالإشارة إلى عدد من المعجزات التي أيد الله (تعالى) بها عبده ورسوله المسيح عيسي ابن مريم ومنها إنزال المائدة من السماء , وقد سميت السورة باسمها , ومنها تبرئة السيد المسيح وأمه الصديقة مريم ابنة عمران مما افتري عليهما به من دعاوي الإلوهية الكاذبة , وكلاهما من عباد الله الصالحين , والله واحد أحد لا شريك له في ملكه , ولا منازع له في سلطانه , ولا حاجة به إلى الصاحبة أو الولد , وكلها من صفات المخلوقين , والله (تعالى) منزه عن جميع صفات خلقه وعدد كل وصف لا يليق بجلاله.
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول التشريع الإسلامي بعدد من الأحكام اللازمة لإقامة دولة الإسلام, ولتنظيم المجتمع فيها على مختلف المستويات تنظيماً ينطلق من ركائز العقيدة الإسلامية القائمة على توحيد الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ ومراقبته في السر والعلن, والاستعداد لملاقاته بعد هذه الحياة الدنيا بصفحة مليئة بصالح الأعمال علها تكسب مرضاة الله, والفوز بالجنة, والنجاة من النار, وكذلك كان أول بنود هذا التشريع الإسلامي هو عقد الإيمان بالله رباً واحداً أحداًً, وبالإسلام ديناً خالصاًً, وبسيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبياً ورسولاً, وكان هذا العقد هو القاعدة التي تقوم عليها سائر العقود في حياة المسلمين أفراداً وجماعات, ومن هنا نصت سورة المائدة على الوفاء بالعقود وعلى بيان الحلال والحرام في العديد من القضايا حتى يصل المسلمون إلى الكمال البشري الذي يصفه الله(تعالى) بقوله العزيز "اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (المائدة: 3)ويتخلل آيات التشريع في سورة المائدة تأكيد سمو العقيدة الإسلامية , واستعراض قصص عدد من السابقين لاستخلاص العظة والعبرة , ومنها قصة ولدي آدم قابيل وهابيل وقتل الأول منهما أخاه رمزا للصراع بين الحق والباطل في هذه الحياة . وتأمر الآيات في سورة المائدة المؤمنين أن يكونوا قوامين لله شهداء بالقسط وتبشرهم بالمغفرة والأجر العظيم , وتتهدد الذين كفروا وكذبوا بآيات الله أن مصيرهم إلى الجحيم , وكذلك مصير المشركين .
وتعرض سورة المائدة لعقائد الكفار والمشركين وترد عليها , وقد نسبوا إلى الله (تعالى) من الأوصاف والنعوت ما لا يليق بجلاله , ونقضوا العهود والمواثيق , وتنادي السورة الكريمة على أهل الكتاب بنداء يتكرر عدة مرات وذلك من مثل قول الحق (تبارك وتعالى) : " يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌوَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (المائدة19) .ثم تعرض السورة الكريمة لعدد من الأحكام المتعلقة بحماية النفس , والمال والملكيات الفردية , والمجتمعات الإنسانية , وصيانتها من كل انحراف , كما تعرض للسلطة وحقوقها , وإلى ضرورة الحكم بما أنزل الله , وتجرم الخروج على ذلك , لأن حق التشريع بالحل والحرمة هو لله (تعالى ) وحده .
وتفصل سورة المائدة قضية الولاء والبراء مؤكدة دورها في ضبط سلوك الأفراد والجماعات في الدولة المسلمة , وتعرج إلى إقرار عدد من الأحكام الشرعية مؤكدة تحريم كل من الخمر , والميسر , والأنصاب والأزلام , وتدعو إلى تعظيم كل من الكعبة المشرفة والأشهر الحرم , وتأمر بطاعة الله ورسوله وتنهى عن مخالفتهما , وتذكر بحتمية الآخرة , وتدعو إلى عدم الانبهار بكثرة الباطل وأهله , وإلى إنكار كل ما بقي من تقاليد الجاهلية , و (ما أكثرها في زمننا) .
وتختتم سورة المائدة بالتذكير بيوم القيامة الذي سوف تبعث فيه الخلائق للحساب والجزاء , وبالإشارة إلى عدد من المعجزات التي أيد الله (تعالى) بها عبده ورسوله المسيح عيسي ابن مريم ومنها إنزال المائدة من السماء , وقد سميت السورة باسمها , ومنها تبرئة السيد المسيح وأمه الصديقة مريم ابنة عمران مما افتري عليهما به من دعاوي الإلوهية الكاذبة , وكلاهما من عباد الله الصالحين , والله واحد أحد لا شريك له في ملكه , ولا منازع له في سلطانه , ولا حاجة به إلى الصاحبة أو الولد , وكلها من صفات المخلوقين , والله (تعالى) منزه عن جميع صفات خلقه وعدد كل وصف لا يليق بجلاله.
من التشريعات الإسلامية
(1) الوفاء بالعقود أي العهود المؤكدة بين العباد وخالقهم , وبينهم وبين بعضهم البعض , فمن العقود ما ألزم الله (تعالى ) به عباده , وعقده عليهم من التكاليف من مثل شهادة أنه لا إله إلا الله , وأن محمدا عبد الله ورسوله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وصوم رمضان , وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا . ومن العقود ما يعقده الناس فيما بينهم في المعاملات , والأمانات وغيرها مما يجب شرعا الوفاء به أي الإتيان به وافيا غير منقوص.
(2) تحليل أكل لحوم الأنعام وألبانها إلا ما حرم الله (تعالى ) منها , كالخنزير، والبهيمة اسم لذوات الأربع من الدواب , ولفظة الأنعام يطلقها العرب على كل من الإبل , والبقر , والغنم , والماعز , وإن كان أكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل , وألحق بها في حل الأكل ما يماثلها من الثدييات اللبونة المجترة المقتصرة على أكل الأعشاب كالظباء , والغزلان , والزراف , وبقر الوحش , وأشباهها .
(3) تحريم الصيد على المحرم أو حتى مجرد الانتفاع به سواء كان المحرم في الحل أو في الحرم , وفي حكم المحرم من كان مقيما في الحرم وليس محرما , وتحديد وكفارة ذلك .
(4) احترام حرمة الدين وشعائره ومن ذلك حرمة الكعبة المشرفة , وحرمها والحج ومناسكه , والأشهر الحرم الأربعة والامتناع عن الاقتتال فيها , وحرمة ما يهدي إلى البيت الحرام , وما يقلد به الهدي , وحرمة الحجاج القاصدين البيت الحرام , وحرمة أمنهم وسلامتهم .
(5) الأمر بالتعاون على البر والتقوى (أي على فعل الطاعات , واجتناب المنكرات) والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان أي عن مجاوزة حدود الله تعالى .
(6) تحريم كل من الميتة , والدم , ولحم الخنزير , وما أهل لغير الله به , والمنخنقة والموقوذة , والمتردية , والنطيحة , وما أكل السبع (إلا ما أدرك ذكاؤه أي إتمام ذبحه قبل أن يموت) , وما ذبح على النصب , (وهي أحجار كانت تعظم في الجاهلية , ويذبح عليها وهي غير الأصنام) , إلا من اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم .
(7) تحريم الاستقسام بالأزلام أي محاولة استشراف المستقبل بواسطة القداح , وهي سهام كانت لديهم في الجاهلية , ولا تختلف عن غيرها من وسائل الدجل المعاصرة من مثل قراءة الطالع , أو الفنجان , أو فتح أوراق اللعب وغيرها , لأن ذلك كله خروج عن طاعة الله وعن الاستسلام لقدره .
(8) لا يجوز للمسلم أن يخشي غير الله أبدا , أو أن يوالي أهل الكفر والشرك لأنهم أضعف من الضعف والله لا يرضى عنهم أبدا , ويرضى عن المسلمين الذين أكمل لهم دينهم , وأتم عليهم نعمه , ورضي لهم الإسلام دينا , ومن كان في جوار الله كان الله في جواره , ولا يقوى على مواجهة الله أحد من خلقه بل لا يقوى على ذلك جميع خلقه .
(9) أحل الله (تعالى ) للمسلمين كل الطيبات , وأذن في أكلها بما في ذلك صيد البحر وطعامه , وصيد البر غير المحرم بعد ذكر اسم الله على وسيلة الصيد من الجوارح قبل إطلاقها . ومما أحل الله(تعالى) لعباده المسلمين ذبائح أهل الكتاب وطعامهم إذا ذكروا عليها اسم الله أثناء الذبح .
(10) أحل الله (تعالى) للمسلمين زواج المؤمنات , كما أحل لهم زواج المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبل , أي العفيفات المترفعات عن الرذائل , وذلك بالطرق الإسلامية المشروعة بعد دفع مهورهن , وعدم الاختلاء بهن قبل الزواج بدعوى الصداقة أو حسن التعرف كما يجري في هذه الأيام .
(11) فصلت الآيات في سورة المائدة أحكام الطهارة في جميع الحالات .
(12) الأمر بالعدل في كل أمر , وبتقوى الله (تعالى) في السر والعلن , وبالتوكل على الله حق التوكل , وبالنهي عن الاعتداء على الآخرين .
(13) تحريم القتل بغير الحق تحريما قاطعا .
(14) تحريم قطع الطريق وتحديد عقوبته .
(15) الأمر بتقوى الله , وابتغاء الوسيلة إليه , والجهاد في سبيله .
(16) تحريم السرقة وتحديد عقوبتها , والنهي عن أكل السحت بأشكاله المختلفة .
(17) تأكيد ضرورة الحكم بما أنزل الله .
(18) إنزال حكم القصاص , فمن تصدق به فهو كفارة له .
(19) إنزال حكم الولاء والبراء , وحكم الردة , وحكم الحنث في اليمين .
(20) تحريم الشرك بالله تحريما قاطعا , ومساواته بالكفر, وإنزال حكم الله فيه " إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ " (المائدة72) .(21) تحريم كل من الخمر والميسر والأنصاب والأزلام واعتبارها رجسا من عمل الشيطان يجب على المسلم اجتنابه .
(22) الأمر بطاعة الله ورسوله , وبعمل الصالحات وبالإحسان إلى الخلق .
(23) حكم الوصية ساعة الاحتضار أو قبل ذلك .
من ركائز العقيدة
(1) الإيمان بالله , وملائكته , وكتبه , ورسوله , واليوم , الآخر , وبالقدر خيره وشره .
(2) الإيمان ببعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم) الذي أكمل الله (سبحانه وتعالى) به الدين , وأتم النعمة , ورضي لعباده المؤمنين الإسلام دينا .
(3) اليقين بأن الرسالة الخاتمة جاءت لتبين لأهل الكتاب كثيرا مما اختلفوا فيه .
(4) اليقين بأن الشرك يساوي الكفر بالله وكلاهما من الكبائر .
(5) الإيمان بأن لله ما في السماوات , وما في الأرض وما بينهما , وأنه (تعالى) على كل شيء قدير وإليه المصير , وأنه رب هذا الكون ومليكه بغير شريك , ولا شبيه , ولا منازع , ولا صاحبة ولا ولد لأن هذه كلها من صفات المخلوقين , والله (سبحانه وتعالى ) منزه عن جميع صفات خلقه , وعن كل وصف لا يليق بجلاله .
(6) الإيمان بوحدة رسالة السماء , وبالأخوة بين الأنبياء الذين بعثوا جميعا برسالة واحدة هي الإسلام الذي تكامل في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم) .
(7) الإيمان الجازم بأن المسيح عيسي ابن مريم هو عبد الله ورسوله , وأنه خلت من قبله الرسل , وأنه بشر بمقدم خاتم الأنبياء , والمرسلين (صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) من بعده , وأن الفضل في المعجزات التي أكرمه الله (تعالى ) بها يعود لله (تعالى ) ولا فضل له فيها , وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام .
(8) الإيمان بأنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا .
(9) الإيمان بأن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم .
(10) الإيمان بالحقيقة القرآنية التي مؤداها لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون .
(11) الإيمان بأن حزب الله هم الغالبون .من الإشارات العلمية والتشريعية(1) تحريم كل من الميتة , والدم , ولحم الخنزير , وما أهل لغير الله به , والمنخنقة , والموقوذة , والمتردية , والنطيحة , وما أكل السبع إلا ما ذُكِّي والعلم يؤكد أخطار تناول مثل هذه اللحوم .
(2) التأكيد على البينية الفاصلة بين الأرض والسماوات, والعلم يؤكد حقيقة ذلك .
(3) تأكيد حقيقة تحريف اليهود لدينهم, وأنهم سماعون للكذب أكالون للسحت , يسارعون في الإثم , والعدوان , وأنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا , والأحداث الراهنة تؤكد حقيقة ذلك وتدعمه .
(4) تحريم كل من الخمر , والميسر , والأنصاب والأزلام , والعلم يؤكد ضرورة ذلك التحريم .
(5) تأكيد كرامة الكعبة المشرفة بجعلها قياما للناس , والعلم يثبت تميز موقعها .
(6) الإشارة إلى أن كثيرا من الناس لفاسقين وتسابق الإدارات الغربية على إباحة زواج الشاذين في هذه الأيام إثبات مادي لذلك .
(7) اختيار الغراب بالذات ودون غيره من الطيور والحيوانات لتعليم قابيل كيف يواري سوءة أخيه . والعلم أثبت أنه أذكي الطيور على الإطلاق .(8) تأكيد حكم الله –تعالى- في كل من السارق والسارقة.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلى معالجة مستقلة , ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا على النقطة الثامنة من القائمة السابقة التي فصلتها الآية رقم (38) من سورة المائدة لإبراز دلالتها العلمية والتشريعية .
هـــذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في بدايات الربع الثاني من سورة المائدة, وهي سورة مدنية, وآياتها مائة وعشرون(120) بعد البسملة, وهي من طوال سور القرآن الكريم, ومن أواخرها نزولا, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي المائدة التي أنزلها الله ـ تعالي ـ من السماء كرامة لعبده ونبيه المسيح عيسي ابن مريم.
وقد سبق لنا استعراض سورة المائدة وما جاء فيها من التشريعات, والعقائد, والإشارات العلمية, ونستعرض هنا جانبا من جوانب الإعجاز التشريعي في حد السرقة الذي تجرأ عليه كثير من المتغربين باستهجانه, واعتباره حدا موسوما بالقسوة التي تنتهي بالمجتمع إلي عدد من المعوقين العاجزين عن العمل أو الإنتاج الذين لا بد أن يحيوا عالة علي مجتمعاتهم, ولذلك تجرأوا علي الله ـ تعالى ـ بالمطالبة بإلغاء هذا الحد حتى تم لهم ذلك في غالبية المجتمعات المسلمة بدعوي التحضر ومسايرة العصر, وهي حجة مدحوضة, وإنكار لأمر من أوامر الله معلوم من الدين بالضرورة, ومنكر المعلوم من الدين بالضرورة يخرج نفسه من الملة, وعلي المترخصين في هذا الحد الإلهي أن يعلموا ألا رخصة لهم فيه, وأن الله ـ تعالى ـ هو أحكم الحاكمين, وهو خير الحاكمين, وهو ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم بعباده وبما يصلح لهم من دراية العباد بأنفسهم.
والحد هو عقاب علي جريمة, والجريمة لا توقف إلا بالعقاب الرادع, لأن العقاب لا يكون عقابا ولا يكون رادعا إذا اتصف بالرخاوة والضعف, ولولا أن الله ـ تعالى ـ قد حد الحدود, وأنزل العقوبات الرادعة لفسدت الأرض, وعمتها الفوضي, وضاعت منها نعمة الأمن والأمان, ونهبت الحقوق, وانتهكت الحرمات, وتعطلت مصالح الناس بالكامل.
من أجل ذلك حاربت شريعة الإسلام الجريمة والمجرمين, والإفساد في الأرض والمفسدين, وحرمت العدوان علي الآمنين, وشرعت من أجل ذلك الشرائع الرادعة للمعتدين الذين ينشرون الخوف والفزع في ربوع الأرض, ويحرمون أهلها من نعمة الأمن, وكان من ذلك حد السرقة, لأن اللصوص لو تركوا دون عقاب رادع لعم إفسادهم, واستطارت شرورهم, وكثر تخريبهم واعتداءاتهم, ونشروا الخوف والفزع بين الناس, وفي ذلك يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (الحج: 38).وعلي ذلك فإن العقوبات في الإسلام ـ ومنها حد السرقة ـ لم تشرع لظلم الناس أو إذلالهم, وإنما شرعت ردعا للمعتدين, وزجرا لهم علي اعتداءاتهم, وعبرة للمعتبرين وعظة لهم, وتذكرة للمتذكرين حتي لا يقعوا فيما وقع فيه المعتدون من جرائم, ودعوة للناس أجمعين للمحافظة علي أمن مجتمعاتهم من الضياع, والأمن من أعظم نعم الله ـ تعالي ـ علي عباده, فإذا فقدوه فقدوا كل شيء في حياتهم الدنيا.
والمعتدي إذا لم يجد من شرائع الله ما يمنعه من اعتدائه وعدوانه علي غيره, فإنه يعيث في الأرض فسادا, ويزيد في طغيانه علي الآمنين من قومه, وفي إفزاعه لهم, مما يقضي علي أمنهم واستقرارهم, وسلامتهم, وينشر بينهم الخوف والفزع والرعب والضياع والاضطراب, وهي من الأمور المهلكة للمجتمعات الإنسانية, والمضيعة لطاقات أبنائها وإبداعاتهم, والمتسببة في انهيار تلك المجتمعات وخرابها بالكامل. من هنا كان علي المسلمين ـ حكاما ومحكومين ـ النزول عند أوامر رب العالمين, والالتزام بحدوده, وإقامة شرعه في كل أمر من الأمور خاصة في محاربة الجريمة والمجرمين كي يتحقق للمجتمعات الإنسانية ما تصبو إليه من أمن وأمان, وحتي تصان حقوق العباد ومصالحهم من عبث العابثين واستهتار المستهترين, وطمع الطامعين وجشعهم من أصحاب النفوس المريضة.
من الإعجاز التشريعي في حد السرقة
تعرف السرقة بأنها أخذ مال الغير المحرز خفية, والسرقة نوعان:
(1) سرقة عقوبتها حد شرعه الله ـ تعالي ـ ومنها السرقات الصغرى والكبرى( الحرابة).
(2) وسرقة عقوبتها التعزير وهي التي لم يتوافر لها شروط الحد, ومنها الاختلاس, والخطف, والنهب والغصب الذي لا يصل إلي حد الحرابة, والتعزير يشمل النصيحة, والزجر والتوبيخ, والجلد والسجن ويحدد ذلك بما يتناسب وحجم الجريمة.
وحد السرقة ألصغري هو قطع اليد اليمني إلي الرسغ, فإذا عاد إلي السرقة كان القطع في الرجل اليسري الي الكعب, وللفقهاء عند تكرر السرقة بعد ذلك تفاصيل لا يتسع المقام لعرضها.
وحد السرقة الكبري( الحرابة) فصله ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بقوله العزيز:إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة: 33).ويستحيل تطبيق حد السرقة حتي يتوافر لكل فرد في المجتمع كل الضروريات اللازمة لحفظ حياته من الطعام والشراب واللباس والمسكن, إما عن طريق العمل ـ الذي تهيئه له الدولة وتيسره له ـ مادام قادرا عليه ـ, فإذا عجز عن العمل جزئيا أو كليا, عجزا مؤقتا أو دائما, أو إذا كان كسبه من عمله لا يكفيه لسد ضروريات الحياة فإن الإسلام العظيم يجعل له الحق في استكمال تلك الضروريات من النفقة التي تفرض له شرعا علي القادرين من أهله, أو من أهل محلته, أو من بيت مال المسلمين كأحد مستحقي الزكاة, فإن لم تكف الزكاة كان للدولة المسلمة الحق في فرض الضرائب علي القادرين في المجتمع من أجل سد حاجة المحرومين وتحقيق الكفاية لهم, في غير ضرر ولا ضرار, وهذه المسئولية من قبل الذين يملكون في المجتمع تجاه الذين لا يملكون تمنع الأحقاد والضغائن والمطامع والرغبة في سلب ما في أيدي الآخرين, وتحد من الجريمة لأن المجتمع يكفل لكل محتاج كفايته, ولا يدعه نهبا للشيطان, ووساوسه.
ورعاية من يملكون لمن لا يملكون توجد تيارا من التآخي, والتعاطف, والحب, والود, والرضا بإرادة الله ـ تعالي ـ في توزيع الأرزاق مما يحول دون وقوع الجرائم بصفة عامة, وجرائم السرقة بصفة خاصة. هذا بالإضافة, إلي أن الإسلام العظيم يعمل دوما علي الارتقاء بالإنسان في معراج الله, كما يعمل علي تربيته التربية السليمة وذلك بتأكيد الإنسان لذاته, وإحياء ضميره, ومراقبته لتصرفاته, وتنشئته علي الالتزام بمكارم الأخلاق, وعلي الخوف من المساس بحقوق الآخرين, مهما كانت الحاجة ملحة, والضرورة قاهرة, وما فرضت العبادات إلا تربية للنفس المسلمة وتطهيرا لها, وإشعارا بمراقبة الله ـ تعالي ـ لها في كل وقت وفي كل حين.
ولما كان الإسلام العظيم, يحرص علي ألا تقوم الملكية الفردية والجماعية إلا من حلال, كما يحرص علي أداء حقوق الله من هذه الملكية بالزكوات والصدقات, فإن هذه الملكيات مهما تعاظمت لا تثير أحقاد الذين لا يملكون, ولا تدع للشيطان مجالا في الوسوسة إليهم من أجل سرقتهم أو سلب شيء مما في أيديهم لأن الإسلام يضمن لهم الكفاية والعدل ولا يتركهم محرومين من أي من ضرورات الحياة. والإسلام الذي جعل من الإنسان مستخلفا في الأرض, مطالبا بعمارتها, وإقامة عدل الله ـ تعالي ـ فيها يجعل العمل والكسب الحلال فريضة عليه, كما جعل زكاة هذا الكسب الحلال فريضة كذلك.
وفي ظل هذا النظام الإسلامي الذي يكرم الإنسان ويكفله, لا يسرق السارق لسد حاجته, إنما يسرق طمعا في الثراء العاجل دون أدني عمل, ودون أدني مراعاة لحقوق الآخرين فيما اكتسبوه بجد واجتهاد, ولا فيما يمكن أن تصيبهم به السرقة من خسارة, وترويع, وفزع وحزن في مجتمع الإسلام, وهو مجتمع طمأنينة وسلام, وهو المجتمع الذي يكسب كل فرد فيه رزقه من حلال, بلا أدني شبهة, ولا خداع أو غش أو احتكار, أو جور علي حقوق الآخرين, وهو المجتمع الذي يخرج فيه حق الله من كل كسب حلال, ويؤمن أبناؤه بأن الرزق مقسوم سلفا لكل فرد قبل أن يخرج إلي هذه الحياة الدنيا يصبح من حق كل فرد فيه أن يأمن علي ماله الخاص وعلي كل ممتلكاته, ومن هنا كان التشديد الإلهي في الحكم علي السارق المكفية حاجته, والذي لا عذر له للوقوع في حد من حدود الله, وهنا لا ينبغي لأحد أن يتوسط للرأفة بالجاني, من وقوع حد السرقة عليه متي ثبتت عليه الجريمة باعترافه أو بشهادة الشهود العدل وثبتت التهمة عليه ثبوتا لاشك فيه.
أما حين توجد شبهة من حاجة أو غيرها, فالأصل في الإسلام هو درء الحدود بالشبهات, لذلك فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أوقف حد السرقة في عام الرماده حين عمت المجاعة, انطلاقا من قول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ لا قطع أو وقف في مجاعة مضطر كما أوقفه في حالة خاصة حين سرق غلمان لابن حاطب بن أبي بلتعة وذلك بعد أن تبين له أن سيدهم يجيعهم فدرأ عنهم الحد, وغرم سيدهم ضعف ثمن ما كانوا قد سرقوه تأديبا له, وتحذيرا لغيره من أصحاب الأموال الأشحاء البخلاء, وهنا تفهم حدود الشريعة الإسلامية التي يجب أن تؤخذ في ضوء التكامل الإسلامي الذي يتخذ كل أسباب الوقاية قبل تطبيق العقوبة, والذي يدرأ الحدود بالشبهات, فإذا ثبتت الجريمة كان العقاب عليها عقابا رادعا لا هوادة فيه ولا رحمة.
يقول صاحب الظلال مستشهدا بكتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي ـ رحم الله كاتبه رحمة واسعة جزاء ما قدم ـ فيقول: ولابد أن يكون هذا المال محرزا, وأن يأخذه السارق من حرزه, ويخرج به عنه.. فلا قطع مثلا علي المؤتمن علي مال إذا سرقه, والخادم المأذون له بدخول البيت لا يقطع فيما يسرق لأنه ليس محرزا منه, ولا علي المستعير إذا جحد العارية, ولا علي الثمار في الحقل حتى يؤويها الجرين, ولا علي المال خارج البيت أو الصندوق المعد لصيانته.. وهكذا.. ولابد أن يكون هذا المال المحرز للغير.. فلا قطع حين يسرق الشريك من مال شريكه لأن له فيه شراكة فليس خالصا للغير, والذي يسرق من بيت مال المسلمين لا يقطع لأن له نصيبا فيه فليس خالصا للغير كذلك, والعقوبة في هذه الحالات هي التعزيز فقط بالقدر المناسب لحجم الجريمة.
وفي تطبيق حد السرقة فإن الشبهة تدرأ الحد لقول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ادرؤوا الحدود بالشبهات فشبهة الجوع أو الحاجة, وشبهة الشراكة في المال, أو رجوع الجاني عن اعترافه إذا لم يكن هناك شهود, أو نكول الشهود عن شهادتهم, إذا ارتدوا عنها, كل ذلك من الشبهات التي تدرأ الحد. فإذا زالت كل الشبهات, وثبتت جريمة السرقة ثبوتا لاشك فيه وجب تطبيق الحد الشرعي بلا أدني تردد حماية للمجتمع أفرادا وجماعات, وتطهيرا للمذنب من جريمة السرقة التي من دوافعها الرغبة في المال الحرام, والطمع في ثمرة عمل الغير, ولذلك حاربت الشريعة الإسلامية هذه الدوافع الشيطانية, بحرمان السارق من أدوات العمل والكسب وأولها يده, ثم إذا عاد إلي السرقة كانت رجله, لعل في هذه العقوبة, ما يردعه عن جريمته ويكون عبرة لغيره.
والقوانين الوضعية التي جعلت الحبس عقوبة السارق, قد أخفقت في محاربة هذه الجريمة, لأن الحبس لا يحول بين السارق وبين العمل إلا لمدة محدودة هي مدة الحبس, بل ان من زعماء عصابات السرقة من يزاول إدارة سرقاته من محبسه بطرق شتي حتي لتربو مكاسبه الحرام في محبسه عليها وهو في خارج المحبس, هذا بالإضافة إلي أن هذا المجرم في محبسه مكفي الحاجات لا حاجة له إلي العمل, فإذا خرج من محبسه استطاع العمل والكسب بالحرام من جديد, واستطاع خداع الناس وغشهم, بمحاولة الظهور أمامهم بمظهر الشرفاء وهو اللص الخسيس. أما عقوبة القطع فتحول بين السارق والعمل, أو تنقص من قدرته علي ذلك, كما تحول دون إمكانية خداعه للناس والظهور بغير مظهره الحقيقي لأن آثار جريمته تلازمه في بدنه.
أما دعاوي المتغربين من أن عقوبة القطع تشوه المقطوعين وتزيد من أعداد العاطلين, وتصم الإسلام بالقسوة فكلها دعاوي باطلة لمخالفتها أوامر الله, وإغفالها مصلحة المجتمع وإنكارها أن القطع عقوبة رادعة تمنع غالبية الناس من الوقوع في جريمة السرقة. والواقع يشهد أن هذه العقوبة لم تطبق في صدر الإسلام إلا في آحاد من الناس. وكذلك في المجتمعات المعاصرة التي تطبق شرع الله فان القطع لا يتم إلا في آحاد من الحالات في كل عام إن وجدت, وهذا وحده كاف لإبراز معجزة التشريع في حد السرقة.